أعمالتعلمتَعلُم

مبادئ العمل المرن (الأجايل) الأثنى عشر

لم تعد طريقة العمل التقليدية قادرة على إنجاز مشاريع ناجحة أو إخراج منتجات مبتكرة خصوصا لتلك المشاريع المرتبطة بالأعمال الإبداعية أز البرمجيات أو تقنيات المعلومات. فلم يعد بالإمكان انتظار فترات طويلة للتصميم والتحليل والتوثيق قبل أن يشاهد المستخدم أو العميل شيئا ملموسا على أرض الواقع.

لذلك جاء أسلوب العمل المرن  Agile Development كبديل عن أساليب الإدارة التقليدية للمشاريع فهي الأقدر اليوم على إخراج منتجات مبتكرة بسرعة وكفاءة أعلى وأكثر واقعية .

ما هو أسلوب العمل المرن Agile Development

عادة عندما تحتاج لبناء منتج رقمي أو تقديم خدمة تقنية احترافية فإنك تبدأ بدراسة متطلبات المستخدمين وحاجاتهم ثم تعمد بعد ذلك لتحليلها وتوثيقها ومن ثم تتجه إلى تصميم المنتج أو الخدمة التي سيتم تقديمها، وعلى أساس ذلك التصميم يتم بناء او تطبيق المنتج والذي من المفترض أنه سيكون متوافقا مع حاجات المستخدمين أو العملاء التي تم دراستها مسبقا والذي تم تصميم وبناء النظام اعتمادا عليها.

لكن ما يحدث عادة أنك تتفاجأ بأن ما قمت بتحليله وتصميمه لا يتوافق مع تلك المتطلبات التي اعتمدت عليها رغم تلك الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها عمليات التحليل والتوثيق والتصميم وذلك إما نتيجة عدم الفهم الصحيح لتلك المتطلبات أو أن تلك المتطلبات قد تغيرات خلال تلك الفترة أو أن المستخدم تكونت لديه رؤية أخرى عندما بدأ بلمس واستخدام المنتج بشكل فعلي.

وهنا تبدأ دورات لا نهاية لها من التعديل وللتغير المستمر في المنتج الذي تم بنائه حتى يصل إلى تلك الصورة التي يقبل بها المستخدمون، وقد لا يصل.

هذا ما يحدث عادة في اغلب المشاريع التقنية والرقمية، فهي تظل تعاني من التغير المستمر والمتكرر في المتطلبات والذي يؤدي إلى تكبد تكاليف إضافية عالية وبالتالي تحويل المشروع الى مشروع خاسر أو تجعل المنتج أقل جودة مما كان مستهدفا أو قد تؤدي إلى فشل المشروع أو المنتج فشلا كاملا.

من هنا جاءت فكرة استخدام أساليب أكثر مرونة في إدارة ذلك النوع من المشاريع فالعميل أو المستخدم بحاجة للحصول على نتائج سريعة دون الانتظار لفترات طويلة كما أن الحاجات والمتطلبات لدى المستخدمين عادة ما تكون غامضة في البداية أو لا يمكن التعبير عنها بوضوح خصوصا عندما نتعامل مع الأعمال الناشئة والأفكار الإبداعية والمنتجات الرقمية أو المبتكرة والتي لا نملك عنها الكثير من المعلومات.

يهدف الأسلوب المرن في العمل إلى إنجاز الأعمال باستمرارية وتدرج ووفق أولويات دون السعي للكمال من أول يوم مع توفر المرونة الكافية لأحداث التغيير مهما كان جذريا وذلك في أي وقت ودون خوف ومع التركيز فقط على إرضاء وتلبية حاجة العميل في المقام الأول سعيا لتحقيق النجاح. الحقيقي.

القيم الأساسية للعمل المرن

مع بداية هذا القرن اجتمع عدد من مشاهير البرمجيات ووضعوا “إعلان الأجايل”  والذي تضمن أساسيات للعمل المرن في بناء  وتطوير البرمجيات كحل جذري للمشاكل والعقبات التي يتسم بها العمل التقليدي. وقد تم نشر هذا الإعلان عبر الموقع الإلكتروني http://agilemanifesto.org/.

المثير في هذا الإعلان هو أن ما ورد فيه يمكن تطبيقه في أي مجال تقريبا ولا ينحصر فقط في البرمجيات مما أدى لظهور عدد من منهجيات الأجايل التي ساعدت في تطور العمل المرن خلال السنوات الأخيرة وفي مجالات مختلفة لعل أشهرها اليوم منهجية Scrum التي أصبحت خيارا حقيقيا للشركات والمشاريع على اختلاف أحجامها.

اعتمد إعلان الأجايل التي تم نشره على أربع قيم أساسية:

  1. الأفراد وتعاملهم فيما بينهم أهم من الإجراءات والأدوات.
  2. المنتجات الصالحة للاستعمال أكثر أهمية من التوثيق الكامل للأعمال.
  3. تعاون ومشاركة العميل في العمل أهم من التفاوض حول العقد.
  4. الاستجابة للتغييرات أكثر أهمية من الالتزام بخطة عمل محددة.

تخيلوا كيف سيكون حال مشاريعنا في العالم العربي إن اعتمدنا تلك القيم. فكم من الوقت يضيع في التفاوض حول بنود العقد قبل أن يبدأ المشروع وكم من التكلفة والوقت يضيع ونحن نوثق ونرسل التقارير ونضع الخطط ونعقد الاجتماعات سعيا للسير في إجراءات ليس لها أي دور حقيقي في المنتج النهائي متناسين البشر الذين يعملون على تنفيذ المهام التي يتطلبها نجاح المشروع ومتناسين أيضا المنتج نفسه والذي أنشئ المشروع من أجله فتصبح الأدوات والإجراءات والعمليات والقوانين والوثائق والاجتماعات أهم منه.

مبادئ وأساسيات العمل المرن

يرتكز أسلوب العمل المرن على 12 مبدأ تمثل في مجموعها خارطة طريق لأي مشروع او شركة ناشئة أو عمل مبدع. ورغم أن أصل تلك المبادئ كان موجها للأعمال المتعلقة بالبرمجيات إلا أنني أضعها هنا بتصرف وتفصيل أكثر لتتضح صورة تطبيقها في أي مجال إبداعي أو رقمي.

المبدأ الأول: رضى العميل

الهدف الأسمى لأي عمل أو مشروع هو إرضاء العميل الذي سيتوجه له المشروع ولا يمكن أن يتم ذلك بترك العميل ينتظر لفترات طويله دون أن يلمس شيئا حقيقيا بين الحين والآخر على أرض الواقع ويتم ذلك عبر التسليم المبكر والمتواصل لتطبيقات أو منتجات أو أعمال ذات قيمة بحيث يلمسها العميل ويتعامل معها.

المبدأ الثاني: التغيير المستمر

ينبغي الترحيب بالتغيير الذي قد يحدث في المتطلبات التي تم الاتفاق عليها مع العميل في بداية المشروع ولو تم ذلك التغيير في مراحل متقدمة من العمل، فالهدف لأي مشروع في النهاية هو تعظيم الميزة التنافسية للعميل وهذا ما ينبغي تسخير التغييرات المستمرة لتحقيقه.

المبدأ الثالث: فترات عمل دورية

التطبيقات أهم من التوثيق لأي مشروع فتسليم تطبيقات صالحة للاستعمال وعلى فترات منتظمة، (من أسبوعين إلى شهرين)، أهم من الانتظار لفترات طويله للتصميم والتحليل والتوثيق وكلما كانت الفترة أقصر كلما كان تأثير ذلك على المشروع والعميل أفضل. وبالتالي ينبغي تنفيذ المشروع على مراحل عبر تقسيم المشروع الى دورات عمل صغيرة متساوية المدة بحيث ينتج عن كل دورة منها منتج أو جزء من منتج قابل للاستخدام.

المبدأ الرابع: التقنيين والمهنيين معا

ينبغي أن يعمل كلاً من المهنيين وأصحاب العمل Business People  (العارفين بالمِهنة) والتقنيين معاً بشكل يومي خلال فترة المشروع فالانعزال بينهما سيؤدي حتما إلى نتائج غير مرضية فالأفراد وتعاونهم فيما بينهم فوق القوانين والتنظيم والأدوات. وبالتالي فلا مجال لمحلل نظم يعمل وحده أو مبرمج منعزل عن العميل أو عميل يرسل متطلبات دون مشاركة.

المبدأ الخامس: الثقة والحماس

الاعتماد في بناء المشاريع ينبغي أن يتم على أفراد متحمسين وليس مجرد موظفين عاديين. أفراد يتم توفير البيئة المناسبة والدعم اللازم لهم، ومنحهم الثقة من أجل إنجاز العمل المطلوب بشغف وحماس بعيدا عن روتينية العمل التقليدي.

المبدأ السادس: التواصل المباشر

التواصل وجها لوجه بين أعضاء فريق العمل في المشروع وأيضا مع العميل هي أكثر الطرق فاعلية وتأثيراً لإيصال وتبادل المعلومات بشكل واضح ودقيق بعيدا عن رسائل البريد الإلكتروني التقليدية أو الخطابات الرسمية أو التقارير الجامدة. اللقاءات القصيرة ذات القيمة أهم من التراسل الرسمي الذي لا يؤدي الى شيء في النهاية.

المبدأ السابع: تطبيقات قابلة للاستخدام

الطريقة الوحيدة لقياس مدى التقدم في أي مشروع هو فقط وجود برمجيات و تطبيقات وأدوات قابلة للاستخدام من قبل المستخدمين وليس مجرد تقارير للأداء او عقد اجتماعات دورية أو تجهيز وثائق تقنية أو إدارية أو نحوه. فالمشروع لا يمكن اعتباره متقدما أو حقق إنجازا، ما إلا عندما يتم تسليم منتج أو جزء من منتج على أن يكون قابلا للاستخدام أما ما عدا ذلك فلا يعد إنجازا أو تقدما في المشروع. ينبغي أن يكون التوثيق في أقل حد ممكن هنا والتركيز أكثر على المنتج.

المبدأ الثامن: الاستدامة

استمرارية العمل في المشروع بوتيرة ثابتة على الدوام هي مسؤولية الرعاة و المطورين والمستخدمين في المشروع على حد سواء، وذلك بهدف تحقيق تطوير مستدام ومستمر لا ينقطع حتى يتم الوصول للهدف المنشود. ولضمان حدوث ذلك ينبغي أن يكون المجهود والمهام والنتائج والأهداف التي تتضمنها كل فترة من فترات المشروع متساوية وموزعة يتناسق بين الجميع دون استثناء.

المبدأ التاسع: التفوق التقني

الاهتمام المستمر بالتفوق التقني والتصميم الجيد للمنتج يعزز العمل المرن فالخروج بمخرجات سيئة سيؤدي إلى فقدان ثقة العميل من جهة وانخفاض الحماس عند فريق العمل من جهة أخرى. الأجايل لا يعني إطلاقا إخراج منتجات سيئة بل منتجات ذات تقنية مناسبة لمن سيستخدمها وبتدرج.

المبدأ العاشر: البساطة

البساطة وعدم تعقيد الأمور أمر أساسي لأي مشروع. ينبغي التركيز على القيام بما هو ضروري فقط واتقان فن تقليص الأعمال غير الضرورية إلى أدنى حد ممكن. فأي عمل لا داعي له يمكن تقليصه الى الحد الأدنى خصوصا ما يتعلق بالاجتماعات والحفلات وإعداد الوثائق والتقارير ونحوها.

المبدأ الحادي عشر: ذاتية التنظيم

إن التصميم الجيد والمتطلبات الأفضل والبنية القوية لأي منتج لا يمكن أن تنبثق إلا من قبل فرق العمل ذاتية التنظيم وليس من تلك الفرق التي يتم توجيهها بالأساليب الإدارية التقليدية أو تلك التي تقوم بالعمل في ظل الإشراف الإداري المباشر. وبالتالي فلا مكان هنا للإدارة التقليدية في توجيه الأفراد لما يجب أن يفعلوه فهم أدرى بما يجب إنجازه وفقا للهدف الذي ينبغي تحقيقه.

المبدأ الثاني عشر: التدقيق والتغيير

مراجعة أداء فريق العمل في المشروع والتدقيق المستمر في الانجاز بشكل دوري وعلى فترات منتظمة أمر ضروري لضمان احداث تغير في طريقة العمل فلا تبقى ثابتة وروتينية مما يضمن استمرار فعالية الفريق في أداء عمله وضبط سلوكه وفقا لأي تغير يحدث. لابد من دراسة الوضع بشكل دائم واحداث أي تغير مهما كان جذريا في أي وقت فالمهم تحقيق الهدف من المشروع وليس اتباع اجراء معين.

الأجايل…….لغة العصر

لم يعد ممكنا إدارة الأعمال والمشاريع بالطريقة التي كانت عليها في العقود الماضية فالتسارع الكبير في التقنيات وظهور أدوات التواصل والتراسل أحدث ويحدث تغيرات جذرية ومتسارعة في حاجات المستخدمين والتي لا يمكن حصرها أو إيقافها أو تجميدها. لذلك فإن الإدارة بالأسلوب المرن هو الأفضل اليوم والأكثر كفاءة في إرضاء العملاء والمستخدمين وفي الوصول لمنتجات وخدمات أكثر ابداعا وابتكارا خصوصا للشركات الناشئة والأعمال الابتكارية والرقمية. اذا كان لديك تجربة في استخدام أساليب الإدارة المرنة فلا تتردد بمشاركتها معنا عبر التعليقات كما يمكنك التواصل في أي وقت لطرح أي سؤال أو استفسار.

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

د/عماد سرحان

إستشاري ومتخصص في المعلوماتية وإدارة المعرفة وتطوير المحتوى بخبرة تزيد عن 24 عاما. حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في نظم المعلومات ووهو مدير مشاريع معتمد من معهد إدارة المشاريع PMP وممارس معتمدا لأتمتة الأعمال ومحترف معتمد في إدارة المعلومات CIP من هيئة إدارة المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية AIIM ومؤلف كتاب “سر النجاح في بناء وتأسيس المواقع الإلكترونية” الصادر عام 2012 عن دار العبيكان للنشر في المملكة العربية السعودية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *