لقد اسرف الكتاب وزوار شبكة الإنترنت ومن يعرف ستيف جوبز أو من لا يعرفه في المديح لهذا الرجل ولعبقريته التي لم نرى مثلها من قبل فلولاه لما كان هناك أيفون ولما رأى الناس الأيباد ولعاش العالم في ظلام الأجهزة المتخلفة القديمة ولما وصلنا الى ما نحن عليه الأن ولما كانت هناك “أبل”. بالطبع هذه مبالغة ليس لها اساس لكننا اعتدنا على تقديس الاشخاص دون تعمق ودراسة وفهم. لاشك أن ستيف جوبز قد فكر بما لم يفكر به الأخرون وأبدع في عمله وكان قائدا ملهما ومنقذا لأبل لكنه في النهاية لم يكن يعمل وحده فهناك فرق عمل عملت معه في تنفيذ أفكاره بل وعملت على التعديل فيها. كما انه أخطأ وفشل وتعلم من أخطائه وفشله وكان الأجدر أن نتعلم من سيرته ونستفيد منها ونطبقها في مؤسستنا.
ما ينبغي أن نتعلمه من ستيف جوبز
كنت أتمنى لو تعلمنا من ستيف أهمية القيادة والإدارة في إنجاز الأعمال فهذا أمر نفتقده في مؤسساتنا العربية فستيف كان قائدا ملهما للأخرين نجح بقيادته في إنقاذ أبل من إنهيار كبير في أواخر التسعينات وأعاد اليها الحياة مرة أخرى بل وقادها لنجاح باهر لم يكن أحد ليحلم به. فأين نحن من ذلك؟ وهل تجد في مؤسساتنا العربية من يبحث عن القائد؟ وهل تجد منا من يربي أولاده على القيادة؟
والحقيقة أيضا أن ستيف لم يحقق نجاحا باهرا الا مع بداية عام 2000 وكان نجاحه هذا بعد فشل إستمر لأكثر من خمسة عشر عاما خسر خلالها ستيف الكثير من أمواله وغير مهنته فقد كان إهتمام ستيف في بداية حياته المهنية ينصب في تصنيع أفضل جهاز كمبيوتر خلال ثورة جلبت الملاين لكثيرين ممن عملوا فيها نهاية السبعينيات. لكن إصراره على تقديم الأفضل دائما جعله يفشل في تقديم جهاز “ماكنتوش” ومن بعده جهاز “نكست” للاسواق فرغم أنها كانت الأفضل بالفعل لكنها الأغلى ثمنا والأبعد عن حاجة الناس فخسر ثروته كلها وإتجه الى مجال أخر غير المجال الذي يحبه حتى عاد مرة أخرى لكنه عاد بعد أن إكتشف سر النجاح فليس النجاح في أن تقدم افضل شئ بل أن تقدم ما يناسب الناسز فكانت بداية نجاح حقيقي عبر تقديم منتجات رخيصة الثمن قريبة للناس بدأت بالأي بود ثم الأيفون ثم الأباد. لقد تعلم من فشله فقاده الى أكبر نجاح. فمن منا يفعل ذلك؟
عندما تقرأ سيرة ستيف جوبز أحد المؤسسين لشركة “أبل” فأنت لا تقرأ سيرة رجل, انما تقرأ تاريخ الكمبيوتر الشخصي منذ بداية انتاجه عام 1975 وحتى اليوم. منذ أن كان جهازا صعب الاستخدام وبالكاد تعمل عليه بعض البرامج البسيطة إلى ما نملكه اليوم من أجهزة ذكية نضعها في جيوبنا. سيرة مليئة بالدروس التي يجب أن نتعلم منها لعلها تؤتي ثمارا أو تنفع في عمل.
ستة دروس مستفادة من سيرة مؤسس “أبل” ستيف جوبز
لعلي أضع بين أيديكم بعض من الدروس المستفادة من سيرة ستيف جوبز:
- القيادة لا تعتمد على الصفات الشخصية للقائد بل على الرؤية التي يملكها والتي يتمكن من خلالها جذب الأخرين اليه فيؤثر بهم ويدفعهم للعمل. لقد كان ستيف جوبز قائداً يملك رؤية للمستقبل لكنه كان في ذات الوقت شخصا غريب الطباع عصبي المزاج متهور سليط اللسان, لكنه استطاع رغم كل ذللك أن يقود شركة “أبل” الى النجاح منذ بدايتها عام 1975 وحتى اليوم بفضل تلك الرؤية التي كان يملكها والتي كانت في غالب الأحيان صحيحة. استشراف للمستقبل وتصوره والعمل لتحقيق ما يعتقده البعض مستحيلا كانت الأسباب الأساسية التي جعلته ينجح في التأثير على الأخرين وقيادتهم لتحقيق نجاحات لم يستطع كثير ممن يمنلكون صفات القائد الشخصية من فعله.
- الدمج بين التقنية والفن سبب رئيسي لنجاح “أبل” ونجاح ستيف جوبز وسيكون سببا رئيسيا لنجاح أي شركة تدمج بين الأثنين. فمنذ ظهور جهاز ماكنتوش عام 1984 وحتى الأي باد 2 عام 2011 كان المزج بين التقنية والفن واضحا في جميع منتجات “أبل” سواء في تصميم المنتج أو في الإهتمام بالمحتوى الذي يمكن للمستخدم أن يستخدمه عبر ذلك المنتج أو في طريقة استخدامه. لقد تم الإهتمام بالموسيقي وبيعها مرافقا لمنتج كالأي بود وتم الإهتمام بالكتب والمجلات وبيعها مرافقة لمنتج الأي باد, كما كانت المنتجات تتعرض لاختبارات كثيرة تتمحور حول تجربة المستخدم لتضمن سهولة الإستخدام وجمال التصميم وهذا كله كان يكلف وقتا وجهدا ومالا قد لا تستطيع الكثير من الشركات أن تفعله. إن أغلب الشركات التقنية تهتم بالتقنية فقط مما يجعل منتجاتها باردة ميتة لا حياة فيها, لكن ستيف جوبز بعث الحياة في منتجاته فكانت أكثر ذوقا وألذ طعما وأمتع استخداما.
- “إن العميل لا يعرف ما يريد حتى يراه” هذا كان شعار ستيف عندما يسأله أحدهم هل قام بأي أبحاث سوق أو دراسة جدوى لمنتجه الجديد؟ كان يعتقد أنك كمتخصص عليك أن تتوقع احتياجات الناس وتقوم بإنتاج منتجات (أو اختراعات كما كان يطلق عليها) تلبي تلك الاحتياجات وهذا في عالم الأعمال يحمل مخاطرة كبيرة, لكن الايمان بالرؤية والتصميم على تنفيذها كان المعيار الأول والوحيد لأغلب المنتجات التى انتجتها “أبل” وليس أبحاث السوق. وكان يدلل ستيف على صدق ذلك المنهج عندما كان يتسأل عما اذا كان مخترعوا الهاتف أو المصباح الكهربائي قد قاموا بأي ابحاث سوق قبل أن يخترعوا تلك الابتكارات.
- الإهتمام بالتفاصيل الدقيقة للعمل أو المنتج حتى لو لم ولن يراها العميل, فقد كان ستيف يدقق كثيرا في التفاصيل الفنية لجميع أجزاء المنتج بما في ذلك الأجزاء الداخلية وغير المرئية منه وبنفس معدل إهتمامه بالأجزاء الخارجية ولذلك فإنك ستجد أن الأجزاء الداخلية لمنتجات “أبل” مرتبة منسقة رغم أنك لا تراها وقد تعلم ستيف هذا المبدأ من والده الذي ضرب له مثلا بالنجار المحترف الذي ينجز دولابا رائعا فإنه سيهتم بالجزء الخلفي من الدولاب ذات الأهتمام ببقية الأجزاء رغم أنه غير مرئي وذلك فقط لأنه نجار محترف. ونتج هذا كله المبدأ الاساسي في العمل والذي كان يتبعه جوبز في شركة “أبل” وهي أن عليك أن لا تتجاوز أي خطأ في المنتج وأن لا تطرحه للناس الا إذا تأكدت بأنه خالى من الأخطاء والمشاكل قدر الامكان وهذا عكس ما نتنهجه أغلب شركات التقنية في وادي السيليكون والتى تعتمد مبدأ “أطرحه في السوق أولا ثم قم بحل مشاكله”. هذا بالطبع أدى الى ان تكون منتجات “أبل” أكثر جودة من غيرها من المنتجات وبالتالي أكثر تكلفة.
- الأفكار الإبداعية الجديدة والمتجددة هي ما جعلت من ستيف جوبز ذلك الرجل الناجح فهو لم يكن تقنيا أو مخترعا أو مهندسا, بل كان مفكرا فكانت أفكاره تلك هي ما جعلته عبقريا. لذلك فإن علينا أن نهتم بأفكار من حولنا فهي أساس الإبتكار والنجاح فلا تهمل أفكار موظفيك أو ابنائك أو تلاميذك فالفكرة الإبداعية هي ما تفرق بين العبقري والشخص العادي. يجب أن يكون في كل شركة من يفكر ويبدع الأفكار كما كان الحال مع “أبل” وعلى إدارات الشركات أن تحاول وضع تلك الأفكار محل التنفيذ لأن الفكرة وحدها لا تكفي فالسبب الرئيسي لخروج ستيف جوبز من “أبل” عام 1987 أن إدارة الشركة قررت جعل أفكاره الإبداعية مجرد أفكار وحسب ولن يكون له سلطة تنفيذها. إعمل على انتشار الأفكار الإبداعية بين تابعيك, فهي السبيل الوحيد للنجاح وإحترم أرائهم وحاول أن تضعها موضع التنفيذ حتى لو خاطرت بعض الشيء فكل ابتكارات العالم جاءت من افكار إبداعية بسيطة.
- الإهتمام بالمستخدم (أو المستهلك) يجب أن يفوق الإهتمام بتحقيق الأرباح لأن الإهتمام بالمستخدم هو يما جلب الأرباح ويؤدي لانتاج منتجات عظيمة. هذا كان سلوك جوبز في تعامله مع المنتجات التي تنتجها “أبل”. ولتحقيق ذلك كان يصر على المنتج المقفل الذي لا يستطيع المستخدم اللعب به أو تغييره بدعوى أن الشركة يجب أن تتحكم بكامل تجربة المستهلك فتدمج البرامج والأجهزة والخدمات مع بعضها البعض في نظام مغلق واحد متكامل تحت سيطرة الشركة المنتجة. وقد بدأ هذا الأسلوب في العمل مع أجهزة الماكنتوش عام 1984 فالجهاز كان مغلقا لا يمكن إضافة أي ملحقات به وكان نظام التشغيل خاص بالماكنتوش لا يعمل على أي جهاز أخر بل ولم تسمح شركة “أبل” بترخيصه لأي أجهزة أخرى كما هو الحال مع نظام تشغيل مايكروسوفت (الوندوز) بإعتبار أنه لن يعمل بالشكل المطلوب الا على أجهزة الماكنتوش. وظل هذا المبدأ سائدا خلال الثمانينات والتسعينات رغم عدم نجاحه واكتساح النظام المفتوح من مايكروسوف الأسواق وتغلبه على الماكنتوش. لكن مبدأ المنتج المغلق حقق نجاحا باهرا خلال العقد الماضي من هذا القرن مع بداية شركة “أبل” في انتاج المنتجات الإلستهلاكية للمستخدم العادي كالأي بود ثم الأي فون ثم الأي باد فالمنتج المقفل أسهل استخداما وأقرب للمستخدم العادي من المنتجات المفتوحة التي يمكن تشغيلها على أي جهاز مما جعل “أبل” نتنج منتجات يمكن أن يستخدمها حتى الأطفال دون أي نوع من التدريب أو الخبرة المسبقة.
عموما الإهتمام بتجربة المستخدم او المستهلك يجب أن يكون أولوية لأي شركة لتحقق النجاح في العمل وهو السبيل الوحيد لتحقيق ارباح فيجب أن نفرق بين رجال الأعمال الذين يسعون للربح فقط والمصنعون الذي يسعون لتقديم منتج متميز للسوق.
وأخيرا…..علينا أن نتعلم
سيرة ستيف جوبز مؤسس “أبل” سيرة تستحق أن نتعلم منها وأن نتمعن فيها دون مبالغة. علينا أن تعلم منها قيمة العقل والتفكير والابتكار وأهمية تجربة العميل في نجاح أي منتج رقمي. علينا أن نتعلم المعنى الحقيقي للقيادة والجودة والفن وأهميتهم في نجاح أي شركة في هذا العالم الرقمي. إن قراءة سير من أثروا في هذا العالم خصوصا في عصرنا الحديث لها تأثير قوي على طريقة تفكيرنا لأن تلك السيرة قريبة منا وحدثت أثناء حياتنا وتتعامل مع العصر الذي نتعامل به عكس سير القدماء التي قد تكون بيعدة عن أجيال اليوم رغم ما فيها من دروس وعبر.
العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.