أعمالتَعلُمتعليم

تعرف على التعلم والتقييم القائم على الكفاءات

عادة ما تعتمد أنظمة التعليم التقليدية ومؤسسات الاعمال على مبدأ قضاء المتعلم او الموظف زمن محدد في ممارسة العمل أو تلقى المعلومات سواء في مقرر دراسي او سنة دراسية للحكم على مدى قدرته، وليس على المهارات والكفاءات التي اتقنها بالفعل ويمكن اظهارها بوضوح، وهو ما يعتمد عليه التعلم القائم على الكفاءCompetency-based learning (CBL).

مفهوم التعلم والتقييم القائم على الكفاءات

وفقا للمفهوم التقليدي فإن المتعلم الذي يقضى اربع سنوات في تخصص معين مثلا اصبح يملك المهارات التي تؤهله للقيام بالعمل المناسب لهذا التخصص، وأن المتعلم الذي يقضي شهرا في دورة تدريبية اصبح مؤهلا للقيام بما هدفت إليه تلك الدورة التدريبية، وان الموظف الذي يقضي سنوات معينة في الوظيفة او المهنة هو بالضرورة اصبح يملك المهارات الاحترافية المرتبطة بتلك المهنة.

هذا المنطق التقليدي في التعليم والتقييم يعتمد في الأساس على فكرة الزمن، فقضاءك وفت محدد مسبقا في تعلم او ممارسة شيء معين يعني بالضرورة انك تعلمته.

وهذا يعني ان جميع المتعلمين أو الموظفين سواسية في تحصيلهم دون الاعتبار لخصوصية كل فرد وحاجاته وقدراته، فكل من يقضي وقت معين محدد مسبقا في تعلم أو ممارسة شيء ما فهو قد تعلمه بالفعل دون أن يتوافق لدينا اي دليل على أن المتعلم أو الموظف قد حصل فعلا على تلك المهارات التي تم تحديدها مسبقا خلال تلك المدة المحددة.

وهنا يأتي دور التعليم المبني على الكفاءات والذي يقيس مدى كفاءة المتعلم أو الموظف وإحترافيتة في أي مجال وفقا لكفاءته التي يمكنه إثباتها، بغض النظر عن الوقت الذي قضاه في تلقي المعلومات أو الممارسة أو التدريب.

يكمن جوهر التعلم المبني على الكفاءات على الفلسفة التي تنص على أن التعليم ينبغي أن يكون مبنيًا على النتائج، وان قياس نجاح المتعلم او الموظف في وصوله لنتائج معينة لا يتم بالوقت المُنفق في الفصول الدراسية أو الحصص التدريبية أو سنوات العمل، بل بما يمكن للمتعلمين او الموظفين أن يُظهروه من قدرات ومهارات وإمكانيات.

وبالتالي يكون لكل متعلم او موظف مساره التعليمي الخاص به والذي يعتمد على الكفاءات التي يتوجب عليه التمكن منها لتحقيق هدف في مجال محدد بحيث يقوم بذلك حسب الوتيرة التي تناسبه، فلا يتجاوز أي مرحلة حتى يتمكن بشكل متعمق من المرحلة التي سبقتها.

يحدد التعلم المبني على الكفاءات النتائج بوضوح ويُركز على قدرة الفرد على تحقيق هذه النتائج، مما يتيح تجارب تعليمية ذات وتيرة خاصة لكل فرد.

ما هي الكفاءة Competency؟؟

الكفاءة هي إمكانية إنجاز مهمة معينة بنجاح ضمن موقف محدد من خلال استخدام مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات والسلوكيات.

  • المعرفة هي الفهم الذي تم الحصول عليه من خلال الخبرة والذي يساعد على تطبيق المعلومات والمفاهيم وتحليلها وتقييمها بما يتوافق مع مواقف مختلفة مرتبطة بالكفاءة.
  • المهارة هي ما ينبغي القيام له لإنجاز مهمة ما مرتبطة بالكفاءة والتي تتطلب تدريبا عمليا كتطوير موقع إلكتروني مثلا.
  • القدرات هي الذكاء في التعامل مع المهمة المطلوبة ومدى القدرة على التعلم الذاتي.
  • السلوكيات هي القيم والمشاعر المرتبطة بالكفاءة.

كيف يتم التعلم القائم على الكفاءات

أولا: تصميم إطار العمل

يتم وضع وتصميم إطار عمل يحدد الكفاءات التي يتوجب على المتعلم او الموظف التمكن منها لتحقيق هدف محدد. هذا الإطار عادة يكون مرتبط بوظيفة معينة أو مجال محدد يهدف الفرد العمل به سواء أثناء تلقيه التعليم أو أثناء تدريبه أو أثناء عمله.

يتكون إطار العمل من مجموعة من الكفاءات المرتبطة مع بعضها البعض والتي لها علاقة بالوظيفة المحددة، بحيث أن تحقيق كفاءة معينة قد يعني أن المتعلم قد حصل على المهارات والمعارف والسلوكيات والقدرات المرتبطة بتلك الكفاءة. وإن تحقيق مجموعة من الكفاءات مع بعضها البعض يعني قدرته على تحقيق ما تتطلبه الوظيفة التي يهدف للعمل بها أو يعمل بها فعلا.

مثال على اطار عمل للكفاءات
مثال على اطار عمل للكفاءات

ثانيا: الربط مع المتعلم

وهنا يتم ربط كل إطار عمل بالمتعلم سواء كان طالبا أو موظفا أو عاملا بحيث يتعرف الفرد على تلك الكفاءات المطلوب منه تحقيقها ليكون مؤهل بشكل كامل للقيام بالمهمة أو الوظيفة المسندة له.

وهنا يساعد التعلم المبني على الكفاءات كل متعلم او موظف على تحديد مساره التعليمي بنفسه وبما يتناسب مع الوظيفة التي يقوم بها أو المهمة التي يهدف لإنجازها ووفقا لقدراته الشخصية وضمن الوقت الذي يحتاجه هو دون ارتباطه بمستوى تعليمي معين أو مدة محددة.

ثالثا: التنفيذ

يتم بعد ذلك تحديد تلك الكفاءات التي يملكها كل متعلم أو موظف بالفعل وتلك التي يحتاج أن يحققها وبالتالي يعمل على سد تلك الفجوة بين ما يملك وما لا يملك مما تتطلبه الوظيفة التي يعمل بها أو المهمة التي يقوم بها وذلك من خلال التدريب أو الممارسة.

وهنا يتم تحديد امتلاك المتعلم لكفاءة معينة من عدمه من خلال مجموعة من أدوات التقييم التي تثبت بشكل واضح امتلاك المتعلم كفاءة محددة بل ومستوى امتلاكه لأي كفاءة.

رابعا: المتابعة

تأتي التغذية الراجعة والتي يتم من خلالها المراجعة الدورية لأطر العمل المرتبطة بالكفاءات وربطها بالوظائف المختلفة بهدف التحسين المستمر ومعرفة النتائج وقياس استفادة المتعلمين ومدى نجاحهم في المهام والوظائف التي يقومون بها.

يتم ذلك عادة بمراجعة التقييم والاداء بشكل مستمر وإجراء التعديلات اللازمة حسب الحاجة.

أدوات التقييم في التعلم القائم على الكفاءات

الاختبارات والامتحانات التي تتم عادة في التعليم التقليدي قد لا تكون مناسبة لاختبار مدى تمكن أي متعلم من كفاءة معينة. فنحن لا نتحدث هنا عن معرفة فقط بل عن مهارات وقدرات وسلوكيات أيضا وهذه جميعا يصعب قياسها عبر الامتحانات التقليدية.

نحن بحاجة لأن يثبت المتعلم بشكل واضح أنه حصل على كفاءة معينة وليس مجرد تلقيه لمعلومات أو معارف معينة أو قضاءه وقت ما في ممارسة عمل معين.

أهم طرق وأدوات التقييم في التعلم المبني على الكفاءات:

  • التعلم من خلال مشاريع حقيقية يتلقى فيها المتعلم او الموظف مهام عملية لها علاقة بواقع العمل. تكون كل مهمة أو مجموعة مهام في المشروع مرتبطة بكفاءة أو كفاءات معينة بحيث أن انجازه لنلك المهمة بنجاح يعني بالضرورة امتلاكه لتلك الكفاءات المرتبطة بها.
  • التقديم والعرض والتي قد توضح مدى قدرة المتعلم على شرح أو كتابة أو تعليم الاخرين ما تعلمه. فنجاح المتعلم أو الموظف في عرض حالات ومعارف لها علاقة بكفاءات مرتبطة بعمله يعطي دليل واضح إلى حد كبيرة على تمكنه من تلك الكفاءات.
  • التقييم من قبل الآخرين سواء زملاء عمل أو مديرين أو مرؤوسين وذلك من خلال استبيانات يتم تصميمها وفق إطار العمل الخاص بالوظيفة أو المجال. حيث يتم عكس قدرات الموظف أو المتعلم من خلال رأي الآخرين بالكفاءات التي هو متمكن منها. يمكن للمتعلم أيضا أن يقيم نفسه بنفسه فهذا سيساعده على معرفة مواطن الخلل فيعمل على إصلاحها.
  • القيام بأداء أعمال محددة تثبت قدرة المتعلم عبر إتقان كفاءة معينة من خلال الممارسة الحقيقة والتجارب والمحاكاة ونحوها.

فوائد التعلم المبني على الكفاءات

  1. الإتقان والعمق في التعلم: يعزز التعلم المبني على الكفاءات على فهم أعمق للموضوعات، حيث يتطلب من المتعلمين تحقيق الإتقان في كل كفاءة قبل المضي قدمًا في تحقيق كفاءة أخرى. هذا التركيز على العمق يؤدي إلى معرفة أكثر دوامًا وتطبيقًا.
  2. المرونة والتخصيص: يعتمد التعلم المبني على الكفاءات على أن كل متعلم فريد ومختلف عن أي متعلم أخر فيساعد على توفير فرص تعلم مخصصة للمتعلم وليست عامة للجميع وبوتيرة مناسبة له، يضمن هذا النهج عدم ترك أي طالب بمفرده فتعزز التجارب التعليمية المُخصصة وترفع من التشويق وتقوي الدافع للتعلم.
  3. الارتباط بالعالم الحقيقي: يتم تصميم الكفاءات في التعلم المبني على الكفاءات وفقا للحياة المهنية الحقيقية. وبالتالي يكتسب المتعلمون مهارات عملية ومعرفة تكون ذات صلة مباشرة بمجالاتهم عملهم المختارة، مما يعزز فرص التوظيف والتطوير المهني.
  4. العقلية التعليمية المستمرة: بتأكيد التحسين المستمر، يزرع التعلم المبني على الكفاءات شغفًا للتعلم يمتد خارج النطاق الرسمي للتعليم. يُطوِّر المتعلمون العقلية والمهارات اللازمة للتكيف مع التحديات المستقبلية والتطورات التكنولوجية التي تحدث.
  5. الاستخدام الفعّال للوقت والموارد: يركز التعليم المبني على الكفاءات على الإتقان حيث يركز على التعلم بكفاءة. ويقلل التكرار الغير ضروري ويسمح بالتقدم السريع، مما يوفر الوقت والموارد للطلاب والمؤسسات على حد سواء.

التحديات في تنفيذ التعلم المبني على الكفاءات

على الرغم من الفوائد الواعدة للتعلم المبني على الكفاءات، إلا أن تنفيذه بنجاح يأتي مع تحديات:

  1. تصميم أطر العمل والتقييم: يعد تصميم إطار الكفاءات الشامل والتقييمات المرتبطة به تحديًا معقدًا ومكلفًا زمنيًا. يجب على المعلمين والمسؤولين عن التدريب ضمان تعريف كل كفاءة بوضوح وقابلية القياس وتوافقها مع التطبيقات العملية.
  2. تدريب ودعم الهيئة التعليمية أو الإدارة العليا: يحتاج المعلمون والإداريون إلى التكيف مع أدوار جديدة، مثل كونهم ميسرين وموجهين وليسوا ملقنين أو مسيطرين، وأن وظيفتهم هو تقديم الدعم المخصص للطلاب أو الموظفين وان التدريب والتطوير المستمر ضروري لضمان التنفيذ الفعال للأعمال.
  3. دمج التكنولوجيا: يعتمد التعلم المبني على الكفاءات في كثير من الأحيان على التكنولوجيا لتوفير تجارب تعليمية شخصية لتتبع تقدم المتعلم أو الموظف نحو هدفه والتي تعتمد على إدارة البيانات بشكل كبير. يجب على المؤسسات الاستثمار في أنظمة إدارة التعلم المعتمدة غلى الخبرة وعلى البنية التحتية القوية وعلى تقنيات البيانات.
  4. السجلات الأكاديمية والمهنية: قد لا تتماشى أنظمة التعليم التقليدية مع التركيز على الإتقان في التعلم المبني على الكفاءات. يمثل وضع سجلات أكاديمية معنوية وإبلاغ إنجازات المتعلمين لأصحاب العمل والمؤسسات التعليمية تحديًا كبيرا في ظل الأسلوب التقليدي المعتمد على الزمن.

تطبيقات التعلم المبني على الكفاءات

يمكن تطبيق التعليم المبني على الكفاءات على المدارس والجامعات ومراكز التدريب ومنشآت الاعمال على اختلاف انواعها.

حيث يساعد هذا النوع من التعليم المؤسسات التعليمية على إخراج كفاءات قادرة على العمل في الوظائف المختلفة كما يساعد مؤسسات الأعمال على قياس الأداء والتطوير المستمر للموظفين وضمان أنهم يملكون الكفاءات التي تتناسب مع وظائفهم أو المهام الموكلة لهم بشكل مستمر وسد أي ثغرة لديهم من خلال التدريب أو تحسين العمل أو الدعم أو التخطيط.

إن تحديد مسار تعليمي واضح Pathway سواء للطالب أو الموظف عليه أن يسلكه لتحقيق كفاءات معينة قي مجال محدد هو في حد ذاته إنجاز كبير يساعد على التركيز في العمل والإنجاز بشكل متقن بعيدا عن الروتينية والتلقين.

وأخيرا…. الكفاءات هي الدليل على امتلاك المهارة والقدرة على أداء عمل ما

فسنوات الخبرة والفصول الدراسية ليست إطلاقا دليلا على أنك فعلا قد تعلمت، بل لابد لك من أن تثبت كفاءتك عبر إظهارها للأخريين في مواقف حقيقية وهذا ما يعتمد عليه التعليم والتقييم القائم على الكفاءات. في حال لديك أي تعقيب أو سؤال فيمكنك التعليق على المقال أو التواصل مباشرة.

 

 

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

د/عماد سرحان

إستشاري ومتخصص في المعلوماتية وإدارة المعرفة وتطوير المحتوى بخبرة تزيد عن 24 عاما. حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في نظم المعلومات ووهو مدير مشاريع معتمد من معهد إدارة المشاريع PMP وممارس معتمدا لأتمتة الأعمال ومحترف معتمد في إدارة المعلومات CIP من هيئة إدارة المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية AIIM ومؤلف كتاب “سر النجاح في بناء وتأسيس المواقع الإلكترونية” الصادر عام 2012 عن دار العبيكان للنشر في المملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *