تفتقد الشركات العربية للمفهوم الحقيقي للإدارة فهي إما أن تكون مهنة من لا مهنة له أو تكون مهنة ذلك المهندس المبدع في عمله الذي يفقه كل شئ عن مجال العمل في الشركة التي يعمل فيها عدا الإدارة, فهي في نظر الكثيرين أمر يأتي بالتبعية والبدهية لكل مبدع ولا تحتاج الي مهارات أو دراسة أو حتى مجرد الاهتمام. أو أن القيادة هي الأهم والإدارة هي مجرد عمل روتيني. حتى أننا لا نحترم من يحمل شهادة في الإدارة كما نحترم من يحمل أي شهادة أخرى.
هذا النظرة العقيمة هي التي جعلت شركاتنا العربية في الصف الأخير وكانت سببا أساسيا في إغلاق بعض الشركات الكبرى والناشئة أبوابها بعد نجاحتها الأسطورية، فالتقني المبدع ترك عمله فضاعت الشركة.
وهذا تماما عكس ما يحدث في الغرب فلا يكون المدير مديرا إلا إذا كان يحمل من المؤهلات الإدارية ما يسمح له بذلك ولا يتم توظيفه مهما كان مبدعا إلا إذا كان إداريا ناجحا.
ما هي الإدارة؟
الإدارة هي علم وفن في ذات الوقت فكما أن مهارات الإدارة تولد مع الإنسان وتكتسب من الممارسة وتصقل من الحياة فهي أيضا علم له أصوله وقواعده ونظرياته التي لا يقوم إلا بها ومن يرغب بأن يكون مدير فإنه يتوجب عليه الإلمام بهذا العلم ومتابعة التغيرات التي تحدث فيه وأن يضيف ذلك الي معرفته وخبرته التقنية إن وجدت.
إننا في عالمنا العربي علينا أن نعترف في مؤسساتنا وشركتنا بالإدارة كعلم فلا يتم توظيف مدير إلا إذا كان يحمل من المؤهلات والخبرة ما يؤهله لممارسة دور المدير، تماما كما أنه لا يتم توظيف مهندس أو مبرمج إلا إذا كان لديه من المؤهلات ما يساعده على ذلك.
لكن من هو المدير حقا؟؟؟
هل المدير هو من يجلس على مكتب فخم ويوزع المهام على الأخرين وينتظرهم حتي ينتهوا من أعمالهم فينهر هذا ويعاقب ذلك ويكافئ فلانا ويمدح أخر وهكذا مستمتعا بما يفعل شاعرا بسلطته.
أو ذلك المدير الذي يفعل كل شئ وما على مرؤوسيه سوى تنفيذ ما يقول حرفيا فتجده مشغولا دائما فلا يمر أي شئ دون علمه وتدخله، ويجب أن يتم كل شئ وفقا لأسلوبه هو -وهو فقط- ويعتبر أي أسلوب أخر في تنفيذ الأعمال خاطئ وغير مقبول.
تلك الصور المشوهة للمدير سببت للكثير من المنشأت الحكومية والخاصة تراكم المدراء وقلة من يعملون بالفعل التقني أو الفني فأصبحت تجد في كل قسم أو دائرة خمسة مدراء وعاملا أو موظفا واحدا وكأننا نعمل بالنكتة التي تتحدث عن السباق الذي تم ين قاربين عربي وأجنبي ففاز القارب الأجنبي لأن فيه مشرفا واحد وخمسة مجدفين بينما انهزم القارب العربي لأن فيه مجدفا واحدا وخمسة مشرفين.
المدير حقا هو من يعمل ويتحمل مسؤولية العمل الذي يقوم به بنفسه حتى لو وكله للأخرين. ويشمل ذلك عمليات التخطيط والتنظيم والتوجيه والمراقبة. فإن كان مديرا لقسم مثلا فهو مطلوب منه أن يقوم بكل المهام التي يشملها ذلك القسم.
وباعتبار أن ذلك مستحيل فإنه من الطبيعي أن يعمد الي توكيل بعض المهام للآخرين ولكن دون أن يعني ذلك أن المسؤولية قد رفعت عن كاهله ودون أن يدعي تحويل تلك المسؤولية بالكامل للآخرين وبالتالي التخلص من عبء العمل.
إن من واجبك كمدير أن تعطي الأخرين الفرصة لتحمل المسؤولية والقيام بكثير من المهام التي من المفترض أن تقوم بها أنت وذلك تحقيقا لللامركزية في العمل من جهة وخلق الدافعية لدى الآخرين من جهة أخرى لكن عليك أن تظل مراقبا مشاركا محمسا كاشفا عن أي مشاكل بمجرد أن تقع أو حتي قبل أن تقع، لأنك كمدير تري الصورة دائما بشكل أوسع وأكبر وأوضح بحكم مكانتك ومنصبك واحتكاك بالأخرين.
ولكن ليس كل عمل يمكن توكيله للآخرين…
هناك أعمال يجب عليك توكيلها لفريق العمل لديك أهمها:
- الأعمال الروتينية حتى لا تضيع وقتك بها.
- الأعمال التي تحتاج خبرة تقنية معينة ويجب إسنادها لمن يملك تلك الخبرة.
- الأعمال التي يمكن أن تعطي نتائج أفضل إذا قام بها واحد من مرؤسيك أو فريق العمل لديك.
- الأعمال التي قد يستمتع بأدائها أحد مرؤوسيك فتخلق الدافعية للعمل نتائج أفضل.
- الأعمال التي تريد من الأخرين أن يتعلموا من خلالها ليقوموا بأدائها مستقبلا.
و هناك أعمال يجب عليك أن لا توكلها لأحد فهي من صميم واجباتك كمدير مسؤول وأهمها:
- التخطيط فهو أهم نشاط تقوم به كمدير فلا بد أن تخطط بنفسك لأعمال قسمك أو مشروعك. والتخطيط يعتمد على رؤية واضحة للمهام المطلوب انجازها فإن غابت الرؤية غاب التخطيط.
- تنظيم فريق العمل أو المرؤوسين لديك وتحديد أدوارهم ومسؤولياتهم وصلاحياتهم فلا مجال لأحد مرؤوسيك أن يوزع الأعمال على مرؤوسيك.
- توجيه الأخرين لتأدية الأعمال بشكل متناسق ومتوافق مع توجهات منشأتك أو مشروعك فهذا أحد أهم ملامح القيادة التي يجب أن يتمتع بها كل مدير فنظرة المدير الي العمل أشمل من نظرة من يقوم به وبالتالي فلابد من أن يوجه المدير مرؤوسه بشكل دائم مهما كان ذلك المرؤوس خبيرا أو محترفا.
- الرقابة المستمرة على انجازات المرؤوسين ومحاسبتهم عن أخطائهم ومكافئتهم عن إنجازاتهم فأنت وحدك كمدير من يقوم بذلك. وإن لم تفعل فلن يشعر أحد بأهمية عمله أو فداحة خطئه فتبدأ الفوضى تدب في أعمالك ولن تستطيع السيطرة بعد ذلك.
- وضع السياسات والمعايير والقوانين الخاصة بمشروعك أو إدارتك فلا يمكن أن تطلب من الأخرين أن يضعوا سياسات يلتزموا بها بعد ذلك، هذه مهمتك أنت وحدك.
- حل مشاكل العاملين لديك حتى لو كانت مشاكل شخصية أحيانا فعليك أن تقوم بذلك بنفسك فهذا يخلق جو عمل مناسب ويشعر الآخرين أن مديرهم يعتني بهم ولا يجعل تلك المشاكل تمثل عائقا أمام انجاز العمل.
- الأعمال التي تعتقد أن قيامك بها سيستغرق وقتا أقصر من شرحها للآخرين حتى يقوموا بها وهذا مهم للأعمال القصيرة والبسيطة التي لا يعرفها أحد غيرك.
- الأعمال التي تحوي بعض المخاطر وتعتقد أنه من الأفضل أن تقوم بها أنت بنفسك.
خطوات منح الصلاحية
لكي توكل عملا لمرؤوسيك بشكل سليم وتضمن نجاعة ما تقوم به فلا بد لك أن تمر بالمراحل التالية:
- حدد الأشخاص المناسبين للقيام بالمهمة التي تريد توكيلها سواء من ناحية قدرته على القيام بتلك المهمة أو توافمر الوقت لذلك.
- وفر لمن وكلته الأدوات اللازمة ليقوم بمهمته على أكمل وجه فلا تلقيه في البحر يسبح دون وسيلة تساعده على ذلك.
- أرشده ووضح له بدقة ما هو مطلوب منه القيام به ولماذا قمت بتوكيل العمل له وتأكد من استيعابه لذلك واقتناعه بالقيام بالمهمة.
- أعط من وكلته الثقة والمسؤولية والسلطة والدعم والمعلومات اللازمة والتي تمكنه من القيام بمهمته بنجاح ولا تتعمد فشله أو إحراجه أو اثبات عدم كفاءته.
- حدد الهدف والنتيجة التي ترغب برؤيتها ممن وكلت له العمل دون الخوض بالتفاصيل وأعلمه أنك ستحاسبه وفقا لما يحقق من أهداف. لاحظ أن الناس بشكل عام سيقومون بما أنت تتوقعه منهم فإن كنت تتوقع إنجازه للمهمة فسينجزها فلا تقلق بالأسلوب وركز على النتائج.
- تابعه أثناء قيامه بالمهمة ولا تترك الأمر حتي ينتهي كل شئ, بل كن معه دائما دون أنا تفرض عليه أسلوبك أو طريقتك فلكل أسلوبه في العمل.
- كن إيجابيا دائما في التعامل مع إنجازات الذين وكلت لهم الأعمال حتى لو أخطئوا. وضح لهم خطئهم وأعطهم النصائح وأمنحهم الثقة دائما ولا تسحب توكيلك منهم بمجرد أن أخطأوا.
- أعمل وبشكل دائم على تطوير مهارات العاملين لديك حسب طبيعة العمل الذي يمارسه كل واحد منهم فهو المفتاح الأساسي لنجاحك كمدير فأنت من يملك القدرة على معرفة ما ينقص فريق العمل لديك وما يحتاجونه للقيام بأي مهام يمكن أن توكلها لهم مستقبلا.
وأخيرا يبقى السؤال….
والآن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة منك أيها المدير، هل أنت مدير حقا؟؟ ومتى يكون للإدارة احترامها في أعمالنا كما نحترم المهن الأخري.
العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.