تعلمتَعلُمتواصل

لماذا عليك أن تمتلك مدونة إلكترونية وكيف تحقق ذلك؟

من الصعب اليوم على أي مفكر أو كاتب أو مؤلف أو فنان أو خبير أن لا يكون له مدونة شخصية على شبكة الإنترنت فهي اللغة التي يفهمها جيل اليوم فلن يستطيع أحد الوصول اليك أو الى ابداعاتك دون مدونة تعبر عنك أو عن خبرتك أو المعرفة التي تملك. بل لقد اصبح  وجود مدونة جزء أساسي من المواقع الإلكترونية للشركات والمؤسسات والهيئات على اختلاف احجامها وطبيعة عملها. فالمدونة هي الأداة التي يمكن استخدامها لتبيان الخبرة وتفعيل الحوار والتسويق بمحتوى حقيقي بعيدا عن الإعلانات التقليدية.

والتدوين ليس حكرا على المعروفين فقط بل اصبحت وسيلة متاحة للجميع ما دام لديك معرفة وخبرة تقدمها للاخرين. فالباب مفتوح اليوم للمعلمين والمهنين واصحاب الهوايات والمتميزين في حرفة ما  وحتى الطلبة ليكون لهم مدونة تحكي عنهم لمن حولهم وللأجيال القادمة.

وفي الوقت ذاته ما زال هناك الكثير من الكتاب والمؤلفين والمؤثرين في العالم الرفمي الذين لا يتوافر لديهم حتى الأن أي مدونات أو مواقع إلكترونية تسجل خبرتهم، وهذا للأسف سيضيع علينا وعلى الأجيال القادمة فرصة التعرف على ما يملكون من محتوى ومعرفة وخبرة حقيقية بعيدا عن اضواء الشهرة.

ما هي المدونة؟

المدونة هي مجموعة من المقالات المرتبة حسب تاريخ نشرها والتي يحكي من خلالها الكاتب صور من حياته أو شخصيته أو خبرته أو المعرفة التي يملك. قد يكون هذا الكاتب أنا أوأنت أوأي شخص مهما كان عمره أو طبيعة عمله فقد أتاح التدوين الرقمي لأي كان أن يعبر عن نفسه بعد أن كان ذلك مقتصرا في السابق على المؤلفين المعروفين في الاعلام التقليدي.

تختلف المقالات في التدوين الرقمي عن المقالات في الجرائد والمجلات بأنها لا تقتصر على النص فقط بل قد تحوي صورا ومقاطع صوتية وفيديو، وتتيح الفرصة للقارئ بأن بتفاعل مع ما يقرأ عبر التعليق على المقالة مباشرة. ولا يقف الأمر عند التعليق بل يتجاوزه الى حوار يمكن أن يتطور بين المعلقين حيث يمكن التعليق على تعليق الأخرين فنصل الى نقاش متعدد المستويات.

وقد يقتصر المقال في المدونة على الصورة فقط فيطلق عليه التدوين بالصورة كما يحدث مع الانستغرام Instagram أو يقتصر على الفيديو كما هو الحال مع اليوتيوب YouTube والسناب شات SnapChat وقد يقتصر على الصوت فقط كما هو الحال مع ساوند كلاود SoundCloud وقد يكون تدوينا مصغرا يقتصر على جمل قليلة كما هو الحال مع تويترTwitter. في النهاية كاتب التدوينة هو من يقرر كيف يرسل رسالته للأخرين المهم أن تتوافق الوسيلة التي اختار مع ما يتوقعه المتلقي وفقا لطبيعة الجمهور المستهدف والمجال الذي يكتب فيه الكاتب. فبعض المجالات لا تصلح الا بالتدوين النصي وأخرى تحتاج الى مقاطع الفيديو أو المقاطع الصوتية لإيصال الرسالة وهكذا.

ويعتبر الووردبريس أشهر نظام للتدوين الشامل اليوم حيث يمكنك من خلاله التدوين بكل الوسائل الرقمية المتاحة فتدمج الصورة بالصوت بالنص وقد تضيف لها تطبيقات تفاعلية أو العاب أو نماذج إدخال حسب الحاجة. فبمجرد تنصيب النظام أو فتح حساب في أحد الشركات المستضيفة فسيكون أمامك القدرة على البدء بالتدوين مباشرة وباستخدام القوالب الافتراضية التي تأتي مع النظام.

استخدامات التدوين

يمكن استخدام التدوين كأداة فعالة للتسويق والتعليم وحتى المساعدة في أداء الأعمال واستخداماته في تلك المجالات عديدة. وهنا سأقتبس بتصرف ستة استخدامات أساسية للتدوين كما أوردها الدكتور Steve Wheeler في. كتابه Learning with e’s وهي:

  • التدوين أداة للحوار: فقدرة الأخرين على التعليق على ما يدونه الكاتب هو أحد أساليب الحوار الفعال والتفاعل ليس بين المعلق والكاتب فقط بل بين المعلقين أنفسهم مما يفتح مجالا للنفاش والاطلاع على وجهات نظر مختلفة وتبادل الآراء وتعلم المتحاورين كيف يمكن أن يحترم بعضهم أراء بعض. الحوار هو الذي يساعد على مناقشة الأمور مهما كانت معقدة ومن وجهات نظر مختلفة ويشجع على التفكير الجماعي والتفاعل ويولد معرفة جديدة ويظهر خبرات ومهارات لها تأثير كبير على انجاز العمل ويساعد على تماسك المجموعة عبر تكوين هوية مشتركة للمتحاورين.

الكتابة عبر حوار نصي أحد العناصر لأي عملية تعلم أو عمل. فهي تساعد على التفكير الدقيق والبحث والاستكشاف والتحليل مما يجعلها أهم أداة لتحصيل المعرفة والتعلم، فعندما تتكتب فأنت حتما ستتعلم. وقد أجمعت نظريات التعلم والمعرفة على أهمية الكتابة ودل على ذلك من قبل القران الكريم عندما استخدم القلم كأداة التعلم الأساسية (الذي علم بالقلم).

  • التحدث بحرية: وذلك بعيدا عن قيود الكتابة في الاعلام التقليدي فذلك سيمنح افاقا أوسع للكاتب وللقارئ على حد سواء. يمكن عبر التدوين قول ما لا يمكن قوله في الاجتماعات الرسمية والفصول الدراسية والتقارير الدورية، وتترك الحرية لقارئ بعد ذلك في أن يقرأ أو لا يقرأ وأن يتقبل أو لا يتقبل.
  • استخراج المعرفة: يساعد التدوين المتعلم والموظف على التعبير عن المعرفة التي يملك والتي ربما لم يكن ليدري بها دون تدوين. هنا تتحول المعرفة الضمنية التي يملكها الفرد الى معرفة ظاهرة صريحة وواضحة فتكون مرجعا للكاتب والقارئ على حد سواء. حيث تشير الأبحاث الى أن أغلب المعرفة هي معرفة ضمنية في العقول فير صريحة وأن الحصول على المعرفة يتطلب اخراج تلك المعرفة الضمنية لتصبح معلنة وموثقة وواضحة، والحوار احد الأدوات التي تساعد على ذلك.
  • الاعتماد على النفس: لكي تدون لابد أن تبحث وتقرأ وتتطلع وربما تزور تدوينات الأخرين من زملاء العمل والدراسة وتعلق عليها حتى تستطيع الخروج بتدوينك. هذا في حد ذاته تعلم ذاتي سيساعد على تأدية العمل والتعلم من أخطاء الأخرين. سيساعد ايضا على تعزيز اهتمام الفرد بما يعمله وعزيمته على الاستمرار في التعلم والعمل لتحقيق هدف محدد، عبر الدافعية التي سيحصل عليها والنابعة من ايمانه بما بفعله وبالهدف الذي يسعى لتحقيقه وبجديته وبيقظته لذاته وإلى أين هو ذاهب.
  • التفكير النقدي: التفكير هو أحد أهم الأدوات التي يستخدمها المدون عند تدوينه. التفكير في حل مشكلة ما أو ابداع شيء جديد أو نحو ذلك. فالكتابة والحوار سيوفران القدرة على بناء المعاني والتفكير النقديCritical Thinking عبر الاستنتاج والتقييم والفهم العميق فيجعل الفرد يفكر بطريقة مختلفة خارجة عما هو مألوف فيكتشف ويحلل ويتخيل. لذلك يمكن استخدام التدوين لطرح الأسئلة والاستفسارات لمحاولة الوصول لحل ما. هذا سيكون له تأثير كبير على العمل من خلال اتاحة المجال للإبداع والابتكار وسيكون مفتاح حل المشاكل وابتكار أفكار جديدة.
  • عكس العمل Reflection: يمكن استخدام التدوين لكي يعكس المدون ما يتعلمه أثناء عمله أو في جامعته ومدرسته أو في حياته. يكتب الأخطاء التي مر بها وكيف تجاوزها، يكتب عن النجاحات التي حققها وكيف يمكن للأخرين أن يكرروا ذلك النجاح، يكتب عن الناس الذي قابلهم وكيف تعامل معهم، يكتب عن الكتب والمقالات والتقارير التي قرائها أو تعامل معها. التدوين أفضل وسيل لكتابة تقرير حقيقي بما حصل أو بما يمكن أن يحدث.

إن عليك أن تعمد فورا الى الطلب من موظفيك أو طلابك الى البدء بالتدوين وبشكل مستمر عبر اعطائهم مواضيع ومهام ومشاكل يمكنهم التدوين حولها ومنح خبرتهم من خلالها. اجعل التدوين جزء أساسي من موقعك الإلكتروني سواء الداخلي أو الخارجي وجزء من المقرر الإلكتروني أو المشروع الذي تعمل عليه.

كيفية انشاء مدونة؟

لكي يكون لك مدونتك الشخصية فلا تحتاج سوى أن تسجيل في أحد المنصات التي تمكنك من تأسيس مدونة ومنها wordpress.com أو google bolgger أو عبر خدمة التدوين من منصة تَعلُم.  وبمجرد ان تحصل على مدونتك فما عليك سوى أن تبدأ بالكتابة والتدوين.

ولا يحتاج التدوين الى الكثير من المهارة والخبرة كما هو الحال مع الكتابة الصحفية أو المهنية فهو في الأساس أداة من أدوات التواصل الاجتماعي التي وفرتها التقنية لنا جميعا وإن استخدمها المحترفون في الكتابة لكنها متاحة للجميع. أهم ما يمكن سرده هنا من نصائح تساعد على التدوين بشكل صحيح:

  • تعامل مع مدونتك وكأنها موقع إلكتروني متكامل يحتاج منك عند تأسيسها أن تعرف الهدف الذي تسعى له والجمهور المستهدف وماذا ستقدم لهم وكيف وما هي اللغة التي يفهمونها ونحو ذلك مما يتطلبه أي موقع إلكتروني أخر.
  • عبر عن نفسك في التدوين دون تصنع أو تمثيل. فالقارئ يتوقع نوع من التلقائية عندما يقرأ مدونتك. المهم أن تعبر عما تملك من معرفة وخبرة ومهارة يشعر بها القارئ عندما يزور مدونتك.
  • أعمد الى الاختصار غير المخل بالمعني قدر الإمكان فلم يعد جمهور اليوم جمهورا قارئا خصوصا في منطقتنا العربية.
  • حاول أن تستخدم اللغة العربية اضافة الى أي لغة أخرى تتقنها فنحن بحاجة لتعزيز مكانة اللفة العربية على الإنترنت والتي لا تتجاوز 3% من المحتوى العالمي والمدونات أحد أهم الطرق الى ذلك.
  • حاول أن تستخدم الصور والرسوم ومقاطع الفيديو قدر الإمكان دون اسراف وبما يناسب ما تكتب فالصورة خير من ألف كلمة.
  • تحدث عن حياتك ومشاكلك ورحلاتك في مدونتك حتى لو كانت مدونتك جادة فالناس تحب شيئا من الترفيه والتغيير بين الحين والأخر.
  • شارك مدونتك وتدويناتك بشكل مستمر بين أصدقائك أو طلابك أو زملائك أو معلميك عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني حتى يصل اليها أكبر عدد ممكن من الزوار.

أمثلة لمدونات عربية

لنتعرف أكثر على التدوين والى ما يمكن أن يؤديه  ندعونا نخوض جولة في بعض المدونات الشخصية العربية وفي مجالات مختلفة كأمثلة يمكن الاقتداء بها (يتم عرض المدونات دون ترتيب محدد):

مدونة الدكتور بدر الصالح

يعتبر البرفسور بدر الصالح أحد المتميزين في مجال تقنيات التعليم والتعليم الإلكتروني في السعودية والعالم العربي وتعكس مدونته ذلك الى حد كبير حيث تحوي المدونة عشرات المصادر التعليمية والأوراق العلمية المتميزة التي تثري المحتوى الأكاديمي العربي على الإنترنت وتدعم المجال التعليمي في المنطقة العربية.

مدونة الدكتورة مرام مكاوي

الدكتورة مرام هي أديبة وكاتبة وصحفية سعودية ولديها عدد من المؤلفات والرويات و في ذات الوقت هي متخصصة في علوم الحاسب الألي ومحاضرة في جامعة الملك عبد العزيز وتعكس مدونتها هذا التنوع حيث ستجد فيها مقالات حول التعليم والأدب والسياسة والتربية وغيرها.

مدونة الدكتور عبدالله الغزامي

د. الغزامي هو كاتب وأديب ومفكر سعودي له الكثير من الكتب والمؤلفات الفكرية والأدبية واللغوية والتي يعرضها مجانا للتصفح عبر مدونته والتي تحوي ايضا مجموعة من الندوات والمحاضرات والمقابلات التي تمت معه.

مدونة الاستاذ عمار محمد

عمار محمد هو مدرب وخبير بالإعلام الاجتماعي وله خبرة كبيرة في هذا المجال وهذا ما تعكسه مدونته التي يتم استخدامها لنشر محتوى له علاقة بالإعلام الاجتماعي وايضا للتعريف والترويج للدورات التدريبية التي يتم عقدها في مختلف دول العالم العربي.

مدونة علا عليوات

علا عليوات كاتبة ومترجمة من الأردن ومدونة منذ عام 2006 وما يميز مدونتها أنها تحوي مقالات متنوعة باللغتين العربية والانجليزية مكتوبة باسلوب بسيط وسهل وشيق.

مدونة ميس ابو صلاح

ميس أبو صلاح أحد المتخصصين في التسويق الرقمي ومدونتها تحوى كل ما يتعلق في عالم الانفوجرافيك والتسويق الإلكتروني والاعلام الاجتماعي والتسويق لمحركات البحث.

مدونة أمل السنيدي

المدربة أمل السنيدي متخصصة بالتدريب على تقنيات الحاسب الألي والتعليم الإلكتروني وتكنلوجيا التعليم وهذا ما تعكسه مدونتها التي تحوى كما كبيرا من الدورات التدريبية على برامج وتقنيات حاسوبية متاحة للجميع.

هذه مجرد أمثلة وغيرها الكثير من المدونات العربية المتميزة على شبكة الإنترنت ويمكن استعراض الكثير من تلك المدونات عبر اتحاد المدونين العرب والتي تحوي عددا كبيرا من التدوينات للمدونين العرب وايضا روابط لمدونات عربية.

وأخيرا….عليك أن تبدأ بالتدوين الأن

أيا كان هدفك سواء لموقعك الشخصي أو لموقع شركتك على الإنترنت فإنت مدعو لتعبر عن خبرتك عبر التدوين فهاذ هو ما يحتاجه عملائك أو من يحتاجونك أينما كانوا وهذا ما سيجعلك أنت وشركتك أكثر تميزا عن الأخرين. التدوين الرقمي هو لغة هذا العصر وعليك أن تتقنها لكي تستطيع أن تكون جزءا منه. إذا أردت مساعدة في بناء مدونتك على الإنترنت فيمكنك التواصل معنا أو طرح سؤالك.

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

د/عماد سرحان

إستشاري ومتخصص في المعلوماتية وإدارة المعرفة وتطوير المحتوى بخبرة تزيد عن 24 عاما. حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في نظم المعلومات ووهو مدير مشاريع معتمد من معهد إدارة المشاريع PMP وممارس معتمدا لأتمتة الأعمال ومحترف معتمد في إدارة المعلومات CIP من هيئة إدارة المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية AIIM ومؤلف كتاب “سر النجاح في بناء وتأسيس المواقع الإلكترونية” الصادر عام 2012 عن دار العبيكان للنشر في المملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *