أعمالالذكاء الاصطناعيتَعلُمنقاش

وكلاء الذكاء الاصطناعي وإدارة إجراءات العمل

الأتمتة الذكية

لطالما كانت “إدارة إجراءات العمل” نظامًا يعكس عقل المؤسسة وسلوكها وتوجهاتها في التنفيذ. لذلك، عندما بدأت بوادر وكلاء الذكاء الاصطناعي بالظهور، لم أنظر إليهم كأدوات إضافية يمكن أن تساعد في تحسين الإجراءات، بل كعقول تنفيذية جديدة تفرض علينا إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع للإجراءات ذاتها.

الخبرة التي جمعتها على مدار سنوات في إدارة المعرفة، وتحليل العمليات، والإدارة، جعلتني أرى في هذه الوكلاء أكثر من مجرد روبوتات تنفذ أوامر، بل سيكون لها دور كبير في تغير جذري في طريقة تصميم وبناء إجراءات العمل.

وكلاء الذكاء الاصطناعي هي كيانات ذكية قادرة على الفهم والتخطيط واتخاذ القرار، بما يشبه ما نقوم به كبشر، لكن بطريقة مختلفة كليا. هذه الوكلاء لا تسير خلف المستخدم، بل تفكر مثله، وتقيّم البدائل، وتنفّذ الخطوات دون الحاجة إلى تدخل بشري متكرر، كما هو الحال اليوم.

الذي يميز هذا الجيل الجديد من الأدوات، ليس فقط في قدرتها على الوصول إلى المعرفة أو تنفيذ العمليات، بل في طريقتها في التعامل مع الهدف، وتحليله، وتجزئته، وتقييم مساره لحظة بلحظة، وهي ذات المبادئ التي تقوم عليها إدارة إجراءات العمل الفعالة، لكن بهيئة جديدة، أكثر مرونة، وأقل استنزافا.

وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI \Agentic) لن يكونوا مجرد أدوات جديدة ضمن صندوق الأدوات، بل سيعيدون صياغة المفاهيم التي نستخدمها اليوم سواء على مستوى التقنية أو على مستوى تحليل الأعمال وتصميم الإجراءات.

تغييرات جوهرية ستشهدها إدارة إجراءات العمل

أعتقد أننا أمام تغيير جذري سيحدث في إدارة إجراءات العمل وأتمتة العمليات BPM.

وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents) سيؤثرون بشكل جذري وعميق على أتمتة وإدارة إجراءات العمل (Business Process Automation and Management)، وسيأخذون الأتمتة إلى مستوى آخر أكثر ذكاءً ومرونة من الأدوات والأساليب التي نستخدمها اليوم، سواء على المستوى التقني أو على مستوى تحليل الأعمال. 

أبرز التحولات التي أتوقعها خلال الفترة القليلة القادمة:

-نهاية نماذج الإدخال التقليدية: كل التفاعل بين المستخدمين و الإجراءات سيكون عبر الدردشة واللغة الطبيعية وليس عبر نماذج الإدخال، حيث سيتمكن النظام من فهم السياق والمعنى دون الحاجة إلى واجهات معقدة أو إدخال يدوي. مما يعني عدم الحاجة لتصميم وبناء واجهات استخدام معقدة، وهي العنصر الذي يستهلك الوقت والتكلفة الاعلى اليوم في تصميم وبناء أي إجراء عمل.

-تقليل الحاجة لتدخل البشر: كلما كان هناك قواعد عمل واضحة، فسيقوم الوكلاء بتنفيذ الإجراءات وفقا لها دون إشراف بشري مباشر. هذا سيدعم بشكل كبير الاجراءات التي تعتمد على سياسات أو معايير او قوانين، حيث سيكون الوكيل الذكي قادرا على التأكد من التقيد بهذه السياسات بشكل أكبر ربما من العمل البشري.

-مراقبة الإجراءات ستتم عملية مراقبة تنفيذ الإجراء وتقييمه بشكل تلقائي من قبل الإجراء نفسه من خلال الوكيل الذكي. وبالتالي فإن التحسين والتطوير في الإجراء سيكون بشكل آلي ومستمر على الإجراء دون تدخل بشري، وذلك من خلال قدرة النظام على التعلم الذاتي، واستخدام الذاكرة والتجربة المستمرة، والقيام بتحليل البيانات الداخلية أو الخارجية.

– المرونة والتكيّف مع التغيرات: ستتوفر القدرة على تعديل مسارات العمل في الإجراء تلقائيًا بناءً على الأداء أو الظروف او البيئة المحيطة، بما يشمل التعامل الآني مع حالات غير متوقعة أو سيناريوهات معقدة غير مخططة مسبقا. مما يعني المزيد من الذكاء والاتمتة لادارة المعاملات التي تتطلب عادة تدخل بشري Case management. 

المرحلة القادمة ستكون أكثر من مجرد “أتمتة”…

إنها إجراءات تفكر، تتعلم، وتتطور.

إدارة المعاملات Case management المستفيد الأكبر من الوكيل الذكي

من المعروف أن المعاملات هي تلك الإجراءات التي تتطلب وجود العنصر البشري بشكل أساسي في اتخاذ القرار، لأنها تعتمد على المعرفة والخبرة التي يتمتع بها متخذ القرار لإتمام المعاملة بالشكل الصحيح.

تتضمن إدارة المعاملات عدد كبير من الإجراءات أشهرها معالجة الفواتير، وطلبات التأمين والعلاج، وقضايا المحاكم، والصادر والوارد، وغيرها الكثير.

وكان أهم عنصر في بناء وتصميم إدارة المعاملات هو مساعدة متخذ القرار في اتخاذ قراره من خلال توفير أدوات البحث والتحليل وإنشاء المستندات ليتم عمله بالشكل المناسب. 

البوم ومع وكلاء الذكاء الاصطناعي أصبح بإمكاننا تفويض هذا العمل البشري بشكل كامل للوكيل الذي يقوم هو بالبحث والتحليل وكتابة التقارير دون تدخل بشري إلا في الحد الأدنى. بل وسيتعلم هذا الوكيل من أخطائه ويحسن من طريقة عمله مع مرور الوقت.

هذا سيوفر تكاليف عالية وسيساعد على إنجاز المعاملات بشكل أسرع وأكثر كفاءة وسيعمل على إدارة المخاطر بشكل أفضل.

كيف سيتم توظيف وكلاء الذكاء الاصطناعي في إجراءات العمل 

في رايي انه يمكن توظيف وكلاء الذكاء الاصطناعي في إجراءات العمل من خلال استغلال ميزة الوكلاء المتعددون Multi Agent وذلك عبر مسارين رئيسيين:

اولا على مستوى النشاطات:

وهي الطريقة الاسرع والاسهل تسبيا والأكثر واقعية في الوقت الراهن،  والتي يمكنها أن تكون مناسبة للإجراءات المؤتمتة فعلا دون إعادة العمل عليها من جديد.

ويتمثل هذا الأسلوب في أن يتم تفويض جميع او اغلب النشاطات البشرية في إجراء العمل إلى وكلاء ذكاء اصطناعي، بمعنى أن يقوم بالعمل في النشاط البشري وكيل ذكاء اصطناعي بدلا من العنصر البشري. 

وهنا يتم تصميم وبناء وكيل الذكاء الاصطناعي ليحاكي العنصر البشري في كيفية اتخاذ القرار المرتبط بالنشاط البشري الذي يقوم به، من خلال تدريب الوكيل الذكي على كل القرارات التي تم اتخاذها سابقا وتزويده بكل المعلومات والبيانات والأدوات التي قد يحتاجها أثناء تنفيذه للنشاط. 

ستكون هذه الطريقة ناجحه جدا مع إجراءات العمل التي تتطلب الكثير من التدخل البشري لاتخاذ القرار،، وستحسن كثيرا من كيفية تنفيذها وستقلل الوقت اللازم لإتمامها، فيمكن مثلا استبدال العنصر البشري الذي يدرس طلب القرض أو مطالبة التأمين أو القضية، بوكيل ذكي ليتخذ القرار المناسب دون تدخل بشري، بعد أن يدرس الحالة من خلال جميع البيانات والوثائق والمعلومات المتوفرة وبعد ان يتم تدريبه على القرارات التي تم اتخاذها سابقا.

هذه الطريقة ستكون فعالة أيضا في النشاطات التي تتطلب عمل وقرار جماعي كاللجان مثلا، حيث يمكن بناء وكيل ذكي يمثل كل عضو في اللجنة، وجعلهم يتناقشون فيما بينهم للوصول للقرار المناسب.

ثانيا على مستوى مسار العمل ككل.

وهي الطريقة الأكثر قوة وفعالية حيث لا نحدد مسبقًا كيف يُنفّذ الإجراء، بل نترك لوكيل الذكاء الاصطناعي حرية تحديد المسار والخطوات والتنفيذ الكامل.

أي أنه لا يتم اصلا رسم أو تطبيق أي مسار عمل محدد مسبقا لإجراء، بل يتم تصميم وبناء الوكيل الذكي لكل الإجراء بطريقة يقوم هو فيها بتحديد المسار المناسب وتنفيذ الاجراء من خلاله هو أو بالتعاون مع وكلاء اذكياء آخرون يفوض لهم بعض المهام حسب الحاجة، وذلك دون أي تدخل بشري، إلا في حال احتاج الوكيل الذكي مساعدة أو تدخل العنصر البشري. 

هذا طبعا هو المستقبل لجميع إجراءات العمل لكنه حاليا مكلف ولم يصل بعد إلى درجة الموثوقية العالية، إلا في بعض الإجراءات الديناميكية والتي يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي تنفيذها دون تدخل بشري مثل الإجراءات المرتبطة بخدمات العملاء والتسويق وصنع المحتوى ونحوها. 

مثلا في الإجراء المرتبط بالشكاوى فلا داعي لرسم إجراء مسبق، بل يمكن تصميم وكيل ذكي يقوم باستقبال الشكوى والنقاش مع العميل وتقديم المساعدة له وفقا لما يراه مناسبا دون أن يكون هناك مسار مسبق يسير وفقا له. لكن هذا الوكيل الذكي قد تم تدريبه على عشرات بل ربما مئات الشكاوى السابقة وتم اتاحة كل الأدوات أمامه لحل اي شكوى تأتي ويمكنه أيضا أن يصعد أي شكوى للعنصر البشري إن احتاج ذلك.

في الحالتين فإن الوكيل سيتحسن مع الوقت وستصبح قراراته أفضل لأنه سيتعلم من أخطائه أو من التغذية الراجعة التي ستاتي من المستخدمين. 

هذان هما المساران اللذان أتوقع أنهما سيغيران شكل تصميم وبناء إجراءات العمل كما نعرفها، والتي تتطلب مهارات جديدة من محللي الأعمال ومهندسي البرمجيات لفهم طبيعة هذا التحول، وتصميم حلول مناسبة لهذا العصر الجديد من الأتمتة الذكية.

اعتبارات مهمة عند استخدام الوكيل الذكي

البساطة

كلما كانت مهمة الوكيل الذكي واضحة ومحددة كلما كان أكثر كفاءة في إنجاز عمله. لذلك ينبغي تجنب إعطاء مهام كثيرة أو مهمة كبيرة لوكيل ذكي واحد، بل يفضل توزيعها أو تقسيمها على أكثر من وكيل ذكي بحيث يتشاركون في تنفيذ تلك المهام معا سعيا لإنجاز العمل المطلوب.

التدخل البشري

صحيح ان وجود الكينونات الذكية يمكن ان يؤدي الى عدم التدخل البشري، إلا أن وجود العنصر البشري في الإجراء يبقى مهما. فوجود نشاطات بشرية للتأكد من النتيجة أو القرار الذي تم من قبل الوكيل يبقى أمر مهما خصوصا في العمليات التي لديها حساسية شديدة.  

اتخاذ القرارات 

واحدة من أهم الأمور التي يجب دراستها وتحليلها قبل استخدام الوكيل الذكي في أي نشاط أو إجراء هي دراسة كيف تتم عملية اتخاذ القرار من قبل العنصر البشري، وذلك حتى يتم محاكاتها من قبل الوكيل الذكي. هذه المهمة لم تكن من مهام محللي النظم سابقا لكنها اليوم ستصبح واحدة من أهم المهام التي يقومون بها.

الاختراق

في حال وجود إمكانية الدردشة المباشرة بين المستخدم و الوكيل الذكي، فيجب الانتباه اكثر الى توافر طرق حماية من الاختراق،  حيث يمكن من خلال الدردشة إرسال تعليمات سامة إلى الوكيل الذكي من قبل المستخدم تعمل على الحصول على معلومات حساسة أو حتى تغير مسار الإجراء.

الشفافية

يجب أن تكون جميع العمليات التي يقوم بها الوكيل الذكي واضحة ومبررة وقابلة للتدقيق، بحيث يمكن للإدارة أن نعرف وبدقة لماذا قام الوكيل الذكي بأي تصرف أو اتخذ أي قرار وما هي المعلومات التي اعتمد عليها. إن متابعة ومراقبة التنبيهات والحركات التي تتم من قبل الوكيل الذكي أمر مهم من قبل العنصر البشري وأن يتم ذلك بشكل مستمر.

عصر جديد من الأتمتة الذكية

نحن على أعتاب تحول جذري في هندسة الإجراءات وبناء التطبيقات، تحول يقوده وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين لن يكونوا مجرد أدوات، بل وشركاء في التفكير والتنفيذ. سيلتقي فيها منطق إدارة إجراءات العمل، مع فلسفة التعلم الذاتي، وخبرات إدارة البيانات، وخوارزميات اتخاذ القرار، ليُعاد تشكيل المشهد التقني بالكامل، ويولد جيل جديد من الأنظمة أكثر فهما، وأكثر فاعلية، وأقرب إلى منطق الإنسان من أي وقت مضى. اذا احتجت أي مساعدة او استشارة تتعلق بوكلاء الذكاء الاصطناعي او ادارة إجراءات العمل فيمكنك التواصل معي.

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

د/عماد سرحان

إستشاري ومتخصص في المعلوماتية وإدارة المعرفة وتطوير المحتوى بخبرة تزيد عن 24 عاما. حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في نظم المعلومات ووهو مدير مشاريع معتمد من معهد إدارة المشاريع PMP وممارس معتمدا لأتمتة الأعمال ومحترف معتمد في إدارة المعلومات CIP من هيئة إدارة المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية AIIM ومؤلف كتاب “سر النجاح في بناء وتأسيس المواقع الإلكترونية” الصادر عام 2012 عن دار العبيكان للنشر في المملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *