أعمالالذكاء الاصطناعيتَعلُمنقاش

تعرف على الوكيل الذكي AI Agent

لم يكد عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يبدأ ويُبهرنا بقدرته على صناعة المحتوى بأشكاله المختلفة، والإجابة على الأسئلة، ومحاكاة البشر في حواراتهم، حتى بدأ فجر مرحلة جديدة وأكثر تأثيرًا، عصر الوكيل الذكي أو وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agent). تطور مذهل في الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بمجرد التفاعل مع البشر، بل يتولى المهام التنفيذية واتخاذ القرارات بالنيابة عنهم، ويعمل بشكل مستقل عن التدخل البشري الى حد كبير، مما ينذر بتغير جذري في شكل المنتجات والأعمال كما نعرفه اليوم.

تشير تقارير ودراسات حديثة إلى أن ما يقارب من نصف الوظائف الحالية مهددة بالاختفاء أو التحول الجذري خلال السنوات القليلة القادمة بفعل انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي، الذين بدأوا فعليًا بالقيام بالكثير من الأنشطة وفي مختلف المجالات، من خدمة العملاء إلى التحليل المالي، بل وحتى المجالات الطبية والإدارية.

ما هو الوكيل الذكي؟

الوكيل الذكي (AI Agent) هو كيان رقمي مستقل يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتنفيذ المهام واتخاذ القرارات بطريقة تحاكي تفكير الإنسان وطريقة عمله.

يمتلك هذا الوكيل القدرة على فهم السياق من حوله، والتعلم من التجربة، وتحليل البيانات، والتخطيط، والتنفيذ، والتواصل، وكل ذلك دون الحاجة لتدخل بشري مباشر.

بخلاف أدوات الذكاء الاصطناعي التقليدية التي تنتظر الأوامر وتقدم نتائج محددة، يتميز الوكيل الذكي بقدرته على العمل بشكل مستقل، فهو يحدد الأهداف، ويخطط لتحقيقها، ويستخدم الموارد المتاحة من أدوات وأنظمة ومعلومات لإنجاز المهام.

يمكن اعتباره بمثابة “موظف رقمي” يتعلم من التجارب، يحتفظ بالمعرفة، ويتطور مع الوقت. فهو لا يعمل وفق سيناريوهات جامدة او محددة مسبقا، بل يتفاعل مع الواقع، ويتخذ قرارات بناءً على معطيات متغيرة، ويتعلم من الأخطاء.

الوكيل الذكي لا يعكس مجرد تطور تقني، بل يمثل تحولًا في فلسفة العمل، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، بل أصبح شريكًا في الإنجاز.

محاكاة البشر

المذهل (والمُخيف) في وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents) أنهم يمثلون محاولة جدّية لمحاكاة السلوك البشري في تنفيذ المهام بشكل آلي بالكامل، ليس فقط كأداة، بل كـ”كائن رقمي” يتعلم ويدير ويتواصل.

هذه المحاكاة تتجلى في ثلاثة أبعاد رئيسية:

الأول: التعلم الذاتي من خلال بناء المعرفة بشكل مستمر اعتمادا على ما يتوفر من معلومات وعلى الخبرة التي يحصل عليها وكيل الذكاء الاصطناعي أثناء تأدية المهام التي يقوم بها والتغذية الراجعة التي يحصل عليها من البيئة حوله. وهذا تماما ما يحدث مع البشر فهم يتعلمون بشكل مستمر وتزيد المعرفة لديهم كلما مر الوقت وكلما مارس العمل المطلوب منه بشكل أكثر.

الثاني: الإدارة من خلال استخدام نماذج ومنهجيات اتخاذ القرار وتنظيم العمل والإشراف عليه ومراقبته. حيث يتم تغذية وكيل الذكاء الاصطناعي بكل هذه المنهجيات والنماذج فيستطيع استخدامها وفق السياق والحاجة، ليُحسن أداءه ويُشرف على سير العمل كما يفعل أي مدير بشري.

الثالث: التواصل من خلال الاتصال مع البشر او الالات لطلب المساعدة او التقييم او التدخل او الاستشارة حسب الحاجة تماما كما يفعل اي شخص فينا في حياته اليومية أو المهنية.

مكونات الوكيل الذكي

دعونا نتعرف الآن على الوكيل الذكي. يتكون الوكيل الذكي من أربعة مكونات أساسية:

أولا الشخصية: 

الوكيل الذكي يحمل صفات شخصية تميزه عن الآخرين فله هدف يسعى لتحقيقه  وخلفية تاريخية وعلمية تتناسب مع ذلك الهدف الذي يسعى له. 

من خلال هذه الشخصية يتشكل سلوك الوكيل الذكي وتوجهاته، وتتضح ملامحه عند التفاعل مع المستخدمين أو الأنظمة الأخرى. فهو يسعى لهدف محدد ويتصرف بالشكل المناسب لتحقيق هذا الهدف.

يمكن تخصيص “شخصية” الوكيل لتناسب مجالًا معينًا كالمجال الطبي أو القانوني أو الإداري، أو يمكن تخصيصه لمهمة معينة كفحص صور الأشعة أو دراسة طلبات القروض أو نحوها،  فينعكس ذلك في طريقة اتخاذه للقرارات وطريقة تواصله مع الآخرين.

ثانيا العقل: 

يمثل العقل مركز التفكير والتحليل لدى الوكيل الذكي. حيث لا يكتفي الوكيل الذكي بالتدرب على مليارات العبارات أو الصور التي تمكنه من صنع المحتوى، إنما تتجاوز ذلك لفهم المحتوى وامتلاك مهارات الاستدلال والبحث، فتفكر عميقا للحصول على سياق كامل واختبار الحلول المتوقعة قبل أن تصل للحل المناسب. 

وهنا نحن نتجاوز نماذج اللغات الضخمة Large language module LLM إلى نماذج الاستدلال الضخمة Large Reasoning Module LRM ليكون الوكيل الذكي قادرا على تجاوز التفاعل السطحي، إلى التعامل مع سيناريوهات معقدة تتطلب تقييم الخيارات واختيار الأنسب.

الوكيل يفكر قبل ان يرسل إجابته، فهو يقسم الهدف الذي يسعى لتحقيقه إلى أجزاء ويبدأ بمعالجة كل جزء بحثا عن الخيارات الممكنة حتى يصل للحل الأنسب.

هنا تلعب الكثير من النماذج الإدارية والعلمية دورا مهما لمساعدة الوكيل الذكي في التفكير كنماذج اتخاذ القرار ونماذج تحليل البيانات وغيرها من النماذج التي قد تختلف حسب مجال وطبيعة الوكيل الذكي

ثالثا الأدوات 

لا يكتفي الوكيل الذكي بالتفكير والتحليل واتخاذ القرارات، إنما يقوم بالتنفيذ ايضا حيث يضع خطة واضحة تتكون من مجموعة من المهام التي يقوم بتنفيذها للوصول للهدف المنشود. وهذا يتطلب ربط الوكيل الذكي بالأدوات التي تمكنه من تنفيذ تلك المهام المطلوبة منه والتصرف الفعلي معها تماما كالبشر. 

وللقيام بذلك، يعمد الوكيل الذكي لاختيار الأداة المناسبة لكل مهمة يقوم بها، دون برمجة مسبقة، حيث (هو) من يقرر استخدام أي أداة لأداء أي مهمة. فمثلا يمكنه ان يستخدم تطبيق البريد الإلكتروني لإرسال الرسائل، أو المتصفح لاستعراض المواقع، أو تطبيقات الأعمال المختلفة للقيام بأي مهام يحتاجها، كما تتوفر له لوحة المفاتيح والشاشة والكاميرا ليستخدمها عند الحاجة.

هذا طبعا يعطي بعدا آخر للوكيل الذكي قد يصل في المستقبل الى استخدام الإنسان الآلي (الروبوتات ) كأداة من الأدوات، مما يفتح مجالا كبيرا لمحاكاة السلوك البشري بشكل أكبر.

رابعا الذاكرة 

حيث يرتبط الوكيل الذكي بذاكرة تمكنه من الرجوع لها قبل اتخاذ أي قرار تماما كما يفعل البشر.

تستخدم الذاكرة بشكل أساسي لحفظ الخبرات المتراكمة والتجارب والمعارف السابقة للتعلم منها لكي تكون مفيدة في تنفيذ وتحسين القيام بالمهام المطلوبة والتطوير بشكل مستمر.

حيث يعمد الوكيل الذكي بالاحتفاظ بنتائج المهام التي يقوم بها أو من محاولات التجربة التي اضطر لاستخدامها، أو حتى من التغذية الراجعة من المستخدم نفسه.

هذه المعلومات يتم دمجها مع المعارف والمعلومات التي تم تغذية الوكيل الذكي بها لتساعده على التفكير والتنفيذ بالشكل الصحيح.

وعندما نتحدث عن الذاكرة، فنحن نتحدث عن ثلاثة أنواع من الذاكرة التي يتعامل معها الوكيل الذكي تماما كالذاكرة البشرية. ذاكرة قصيرة الأمد والتي تحتفظ بما هو مهم وحدث مؤخرا وله أهمية للتصرفات والقرارات الآلية السريعة، وذاكرة طويلة الأمد والتي تخزن المعارف والخبرات والإجراءات، وذاكرة ديناميكية والتي تتعامل مع التغذية الراجعة التي تأتي من الخارج او من عمليات التجربة والخطأ. 

الذاكرة تتطلب إدارة قوية للبيانات والمعرفة والمعلومات بأنواعها المختلفة بحيث تكون متاحة بسرعة وفعالية لوكيل الذكاء الاصطناعي ليستخدمها حسب حاجته.

التأثير المتوقع للوكيل الذكي

لقد أصبح بناء وكلاء الذكاء الاصطناعي امرا واقعا بالفعل بل وسهل في بعض الاحيان الى حد كبير. فهناك عشرات الأدوات والمنصات التي تمكنك من بناء وكيل ذكي بأقل جهد وحتى بدون خبرة برمجية.

من المتوقع خلال السنوات بل الأشهر القليلة القادمة أن تتحول المنتجات والتطبيقات والإجراءات في العالم الرقمي لتعتمد بشكل كامل على الوكلاء الأذكياء. 

فسنتحول من مفهوم البرمجيات كخدمات SaaS الى الوكلاء كخدمات AaaS. وستبدأ متاجر الوكلاء الأذكياء بالظهور والانتشار وتحل مكان متاجر التطبيقات.

فبدلا من أن تكون المنتجات والتطبيقات أدوات مساعدة لنا في تأدية أعمالنا، ستتحول الى وكلاء يقومون بالعمل بالنيابة عنا في مختلف المجالات. فسيكون هناك وكيل لفحص صور الأشعة واخر ليجيب على استفسارات العملاء وثالث للتسويق ورابع لصناعة المحتوى ونشره. واخر لتنظيم رحلاتنا، وهكذا.

وسيتم تفويض اغلب النشاطات والقرارات البشرية في إجراءات العمل في المؤسسات والشركات الى وكلاء أذكياء يقومون بالمهمة ويتخذون القرار بشكل مستقل وبأدني تدخل بشري. مما يقلل من تكاليف ادارة المعاملات بكافة اشكالها ويسرع من الإنجاز.

واخيرا….ماذا بعد؟

لقد بدأنا نشهد تحوّلًا جذريًا في طبيعة علاقتنا مع التكنولوجيا. فبعد أن كنا نستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدتنا في  كتابة نص أو توليد صورة، أصبحنا أمام جيل جديد من الكائنات الرقمية الذين لا يكتفون بالتفاعل، بل يفكرون، ويتعلمون، ويتخذون القرار، وينفذون المهام بكفاءة عالية.

هذا التحول يحمل معه تحديات أخلاقية ومهنية كبيرة. من سيكون مسؤولًا عن قرارات الوكلاء الأذكياء؟ وما هي المهارات الجديدة التي يحتاجها الإنسان ليواكب هذا التحول؟ وكيف سنعيد تعريف الأدوار البشرية في بيئات يشارك فيها وكلاء رقميون؟ ما نعرفه اليوم هو أننا على أعتاب عصر جديد، تتشكل فيه فرق العمل البشرية–الرقمية، وعلينا أن نكون مستعدين، لا فقط باستخدام هذه التقنية، بل بفهمها وتشكيلها لتخدم الإنسان وتعزز قدرته، لا أن تستبدله أو تتجاوزه. إدا احتجت لمساعدة أو استفسار له علاقة بوكلاء الذكاء الاصطناعي فما عليك سوى التواصل معي.

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

د/عماد سرحان

إستشاري ومتخصص في المعلوماتية وإدارة المعرفة وتطوير المحتوى بخبرة تزيد عن 24 عاما. حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في نظم المعلومات ووهو مدير مشاريع معتمد من معهد إدارة المشاريع PMP وممارس معتمدا لأتمتة الأعمال ومحترف معتمد في إدارة المعلومات CIP من هيئة إدارة المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية AIIM ومؤلف كتاب “سر النجاح في بناء وتأسيس المواقع الإلكترونية” الصادر عام 2012 عن دار العبيكان للنشر في المملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *