أعمالنقاش

المرشد: السر الخفي وراء نجاح المنتجات

في عالمنا العربي، مفهوم “المرشد” نادر الحضور، سواء على المستوى الشخصي أو في فرق العمل. هناك اعتقاد شائع في مجال إدارة المنتجات بأن التعلم يجب أن يكون ذاتيًا، وأن الخبرة تأتي فقط من التجربة. لكن ماذا لو كان هناك طريق مختصر؟ ماذا لو كان بإمكانك الاستفادة من تجارب الآخرين، وتجنب الأخطاء التي ارتكبوها، دون الحاجة إلى سنوات من المحاولات والتخبط؟ انه المرشد Mentor.

المرشد: سلاح سري تتبناه الشركات الكبرى

الحاجة إلى المرشد ليست فقط للأفراد الذين يسعون لتطوير مسيرتهم المهنية كما هو شائع، بل تمتد أيضًا إلى الفرق داخل الشركات.

نجد في العديد من الشركات وفرق تطوير المنتجات انها تركز على الجوانب التقنية والتشغيلية في ادارة المنتج مع اهمال واضح للخبرة، فالخبرة شبه معدومة في الكثير من فرق العمل نتيجة ارتفاع التكاليف او عدم الاهتمام او عدم توفر الموارد البشرية المناسبة. هنا يأتي دور المرشد كجسر بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي ليسد هذه الفجوة.

فالكثير من الشركات الكبرى تخصص مرشدين داخليين لدعم فرق إدارة المنتجات، لضمان أنهم يعملون وفق رؤية واضحة ولتحسين جودة القرارات التي يتخذونها.

وجود مرشد داخل الفريق يمكن أن يحدث فرقًا جذريًا في طريقة العمل. فهو لا يفرض قراراته، بل يساعد الفريق على التفكير بشكل استراتيجي، ويوجه النقاشات، ويضمن أن الجميع يعمل وفق رؤية واضحة. إنه الشخص الذي يطرح الأسئلة الصحيحة في الاجتماعات، ويشجع على البحث عن الأسباب الجذرية بدلاً من الحلول السريعة، ويساعد الفريق على التعلم من الأخطاء بدلاً من تكرارها.

إذا ألقينا نظرة على شركات مثل غوغل أو أمازون، نجد أن ثقافة الإرشاد مُدمجة في حمضها التنظيمي. فمديرو المنتجات في هذه الشركات لا يعملون بمعزل عن شبكة من الخبراء الذين يقدمون التوجيه في اللحظات الحاسمة. على سبيل المثال، لإعادة هيكلة نموذج الاشتراكات، او لتغير نموذج العمل، او لدعم عمل الفريق. هذه القرارات المصيرية لم تكن لتُتخذ بنفس الحكمة دون منظور الخبراء الذين عاصروا تحولات صناعية مماثلة.

لا يشترط أن يكون المرشد شخصًا يتم تعيينه بشكل رسمي، بل يمكن أن يكون شخصًا ذو خبرة تتواصل معه باستمرار، وتستفيد من نصائحه وتوجيهاته على مدار الوقت.

ستة أسباب تجعل المرشد ضرورة لفريق المنتج

إدارة المنتجات ليست مجرد وظيفة، بل هي مزيج من المهارات التقنية، الإبداع، الفهم العميق للسوق، وإدارة الفرق والتحديات. وجود مرشد في هذا المجال يمنح الفرق العديد من الفوائد المهمة:

1. تسريع النمو المهني لأفراد الفريق

العمل في إدارة المنتجات يتطلب خبرة عملية كبيرة، ولا يمكن اكتسابها فقط من خلال الكتب والدورات التدريبية. المرشد يساعد في توجيه الأفراد نحو التعلم الصحيح، ومشاركة خبراته معهم، مما يمكنهم من تجاوز العقبات بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

2. تفادي الأخطاء المُكلفة: تعلم دروس من الآخرين بدلًا من دفع الثمن.

تخيّل أن فريقًا يعمل لشهور على تطوير ميزة جديدة، ليُفاجأ بعد إطلاقها برفض العملاء بسبب سوء فهم لسلوك المستخدم النهائي. هذا السيناريو يتكرر يوميًا في المنتجات التقنية، وغالبًا ما يكون سببه افتقار الفريق إلى معرفة مسبقة بأساليب اختبار الفرضيات أو تحليل البيانات. المرشد هنا يلعب دور “ذاكرة المؤسسة”، حيث ينقل تجاربَ سابقةً تُجنب الفريق تكبد خسائر مالية وزمينة. كأن يقول: “هذه الطريقة فشلت مع شركة X بسبب Y، فلنجرب بديلًا أكثر أمانًا”.

3. رؤية من خارج الصندوق: تقديم منظور خارجي محايد

من الطبيعي أن ينغمس مدير المنتج والفريق في تفاصيل العمل اليومي، مثل إصلاح الأخطاء البرمجية أو متابعة خارطة الطريق. لكن هذا الانغماس قد يحجب الرؤية الاستراتيجية: هل نبنِي المنتج الصحيح؟ هل نستهدف الشريحة المثلى؟ هنا يقدم المرشد منظورًا أشبه بمنظار واسع الزاوية، يُذكّر الفريق بالأهداف الأصلية ويطرح أسئلة ضرورية:

  • هل تعتقد أن السوق يحتاج حقًا إلى هذه الميزة؟
  • كيف تختلف عن منافسك الذي أطلق شيئًا مشابهًا قبل أشهر؟.

يعمل المرشد على تقديم رؤية غير متأثرة بالتحديات اليومية التي يواجهها الفريق. فهو ينظر إلى الأمور من الأعلى، مما يساعد على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً.

4. قرارات مصيرية تحتاج إلى حكمة

تتخلل رحلة المنتج نقاط تحوُّل شديدة الخطورة: التوسع إلى سوق جديدة، تغيير نموذج التسعير، أو حتى إيقاف منتج فاشل. هذه القرارات لا تحتمل التجرِبة، خاصةً في الشركات الناشئة ذات الموارد المحدودة. المرشد، بفضل خبرته في التعامل مع سيناريوهات مشابهة، يستطيع تحليل المخاطر بطريقة منهجية، مثل:

– تقييم مدى استعداد السوق للتوسع بناءً على مؤشرات محددة.

– تحذير الفريق من مغبة تأخير قرار إيقاف منتج مُنهك للموارد.

5. تسريع التعلم: اختصار سنوات إلى أشهر

وجود مرشد داخل الفريق يعزز ثقافة التعلم المستمر والتطوير. فهو لا يقوم فقط بتوجيه الفريق، بل يشجعهم على طرح الأسئلة، التفكير النقدي، والتجربة دون خوف من الفشل.

فبدلًا من انتظار اكتساب الخبرة عبر الفشل المتكرر، يُعجّل المرشد من نضج الفريق عبر نقل معرفته. فمثلًا، قد يُعلّم الفريق كيفية استخدام إطار عمل **OKR** لتحديد الأهداف، أو يشرح أفضل ممارسات التعاون مع فرق التسويق والهندسة. هذا النقل المعرفي ليس تقنيًّا فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير المهارات الناعمة مثل التفاوض وإدارة الأولويات.

6- تحسين التعاون بين أعضاء الفريق

غالبًا ما يكون فريق إدارة المنتجات مكونًا من أشخاص ذوي خلفيات مختلفة (التقنية، التسويقية، التجارية)، مما قد يؤدي إلى اختلاف في وجهات النظر. المرشد يساعد في توجيه النقاشات وتعزيز التعاون بين الفريق لتحقيق أفضل النتائج.

كيف يختلف المرشد عن المدرب أو المدير؟

قد يخلط البعض بين المرشد (Mentor) والمدرب (Coach) أو حتى المدير المباشر. الفرق الجوهري يكمن في طبيعة العلاقة وهدفها:

  • المدرب يركز على تطوير مهارات محددة لفترة زمنية قصيرة.
  • المرشد يبني علاقة طويلة الأمد، يعمل فيها كـ “صوت الخبرة” الذي يشارك الرحلة كاملةً، وليس مجرد حلًا تقنيًّا.
  • المدير مسؤول عن تقييم الأداء، بينما المرشد طرف محايد هدفه النمو الشامل للفرد والفريق.

وجود المرشد لا يضمن النجاح، لكنه يزيد احتمالاته عبر تقليل المخاطر وتوجيه الطاقة نحو الأولويات الصحيحة. الفرق التي تستفيد  من الإرشاد هي تلك التي تُظهر:

  • انفتاحًا على النقد البنّاء.
  • استعدادًا للتعديل بناءً على النصائح.
  • التزامًا بتطبيق الدروس المستفادة، حتى لو تعارضت مع الرأي الداخلي.

كيف تستفيد من المرشد بشكل فعال؟

بمجرد العثور على مرشد، عليك أن تتأكد من الاستفادة القصوى من هذه العلاقة من خلال:

  • ✔️ تحديد أهداف واضحة: ما الذي تريد تعلمه أو تحقيقه من خلال التوجيه؟
  • ✔️ الاستعداد الجيد لكل لقاء: احضر بأسئلة واضحة، وكن مستعدًا للنقاش.
  • ✔️ الالتزام بالتطبيق العملي: لا تكتفِ بالنصيحة، بل قم بتطبيقها على أرض الواقع.
  • ✔️ الانفتاح على التعلم: استمع جيدًا، وكن مستعدًا لتحدي أفكارك وتطويرها.

لماذا لا تنتشر ثقافة الإرشاد في منطقتن العربي

للأسف، فكرة وجود مرشد ليست شائعة في بيئة العمل العربية، سواء للأفراد أو الفرق. يمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب:

  • ثقافة الاعتماد على الذات والخوف من طلب المساعدة.
  • نقص المبادرات التي تربط بين الخبراء والمبتدئين في المجال.
  • غياب الوعي بأهمية التوجيه في تسريع النجاح.

لكن هذا لا يعني أن التغيير غير ممكن. من خلال تعزيز ثقافة الإرشاد داخل الشركات، وتشجيع العاملين في مجال إدارة المنتجات على البحث عن مرشدين، يمكننا تسريع تطور الصناعة وتحقيق نجاحات أكبر.

 لا تعيد اختراع العجلة!

إذا كنت تعمل في إدارة المنتجات، لا تتردد في البحث عن مرشد، أو أن تصبح أنت المرشد لمن هم أقل خبرة منك. فبناء مجتمع قوي من المتخصصين الذين يدعمون بعضهم البعض هو ما سيساعدنا جميعًا على تحقيق نجاحات أكبر.

وكما يقول المثل الصيني: “إذا أردت النجاح بسرعة، اذهب وحدك. أما إذا أردت الوصول بعيدًا، فاذهب برفقة مرشدين”.

المنتجات العظيمة لا تُبنى بالشفرة وحدها، بل بالحكمة المتراكمة التي قد ينقلها المرشدون.

وجود مرشد في إدارة المنتجات ليس رفاهية، بل هو عامل حاسم يمكن أن يحدد نجاح المنتج والفريق. المرشد يساعد على اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل، يعزز التعاون والإبداع داخل الفرق، ويوجه الأفراد نحو تطوير مهاراتهم بفعالية. تواصل معنا إدا احتجت لمزيد من المعلومات.

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *