قد يظن البعض أن بناء وكيل ذكي AI Agent هو مجرد عملية تقنية تبدأ بكتابة بعض الأوامر البرمجية وتنتهي بإطلاق النظام للعمل. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ فالتقنية ما هي إلا أداة، بينما جوهر العملية يكمن في فهم طبيعة الوكيل وتصميمه بدقة. فإذا كنت تعرف تماماً ما الذي تريده من وكيلك الذكي، وما هي المهام التي ينبغي أن يؤديها، وكيف يجب أن يتعامل معك ومع المعلومات التي تقدمها له، فإنك تكون قد قطعت أكثر من نصف الطريق نحو النجاح.
ولكي تصل لهذا الفهم عليك أن تمر بخطوات محددة ومنهجية. في هذا المقال سنتناول سبعة خطوات أساسية لبناء وكيل ذكي فعال، بدءاً من تحديد الهدف ووصولاً إلى النشر والتشغيل.

الخطوة الأولى: تحديد الهدف وحالة الاستخدام
قبل أي شيء، يجب أن نطرح سؤالاً أساسياً: ما هو الدور الذي سيؤديه الوكيل؟
ما المشكلة التي نريد حلها؟
من المستفيد من هذا الوكيل؟
ما القيمة المضافة التي يقدمها مقارنة بالحلول التقليدية؟
ما الغرض من هذا الوكيل؟ هل هو وكيل لخدمة العملاء، أم مستشار أكاديمي، أم مساعد لإدارة المشاريع؟
كلما كان الهدف من الوكيل الذكي محدداً أكثر، كان تصميم الوكيل أكثر دقة وكفاءة.
ومن خلال الهدف يمكنك تحديد حالة الاستخدام بشكل واضح بطريقة تساعد على فهم طبيعة البيئة التي سيعمل فيها الوكيل والمهام التي يتعين عليه تنفيذها.
أمثلة على حالات الاستخدام:
- وكيل سفر: يساعد المستخدم على مقارنة أسعار الرحلات، حجز الفنادق، وإنشاء وتنفيذ خطة سفر متكاملة.
- وكيل مالي: يحلل بيانات النفقات والإيرادات، ويصدر تقارير يومية أو أسبوعية.
- وكيل تعليمي: يعمل كمدرس افتراضي يقدم شروحاً وتدريبات حسب مستوى الطالب.
من الممكن هنا أيضا تحديد المخرجات المتوقعة من الوكيل الذكي واي مؤشرات أداء مرتبطة به.
لاحظ أن الوكيل الذكي قد يكون جزء من منظومة وكلاء أذكياء، وبالتالي فيجب تحديد طبيعة تلك العلاقة بين الوكيل الذكي وبقية الوكلاء الأذكياء في المنظومة.
من دون تحديد الهدف بدقة، قد ينتهي الأمر ببناء وكيل عام ومبهم لا يقدم قيمة واضحة. أما بتحديد حالة استخدام مركزة، فإن التطوير يصبح أكثر سهولة، والأدوات والموارد المطلوبة تتضح منذ البداية.
الخطوة الثانية: بناء الشخصية عبر الوصف الوظيفي وتعليمات العمل
الوكيل الذكي يحتاج إلى شخصية أو هوية واضحة تعكس الدور الذي يقوم به وتحدد كيفية تعامله مع المستخدمين. هذه الشخصية تعمل كـ “بوصلة” للوكيل وتضمن أن تفاعلاته متسقة ومفهومة.
يتم بناء الشخصية عبر صياغة وصف وظيفي يحدد مهامه، أسلوب تواصله، ونبرة حديثه مع المستخدم.
وبالتالي لا يكفي مجرد كتابة “أنت وكيل سفر”، بل ينبغي إعداد وصف وظيفي مفصل تماما وكأنك تعد لوظيفة ما في شركتك.
يشمل الوصف الوظيفي:
- الدور الاساسي: ما الذي يفعله الوكيل بالضبط؟د وما هي المهام التي من المفترض أن يقوم بها، وعلاقته بالآخرين.
- نبرة الصوت: هل يتحدث بشكل رسمي، ودي، تعليمي؟ تعتمد نبرة الصوت على طبيعة المستفيدين من الوكيل الذكي وعلاقته مع اطراف اخرى في منظومة العمل.
- مجال الخبرة: طبيعة الخبرة التي من المتوجب أن يمتلكها الوكيل الذكي والتي تتناسب مع المهام التي من المفترض أن يقوم بها. هل يقدم معلومات عامة، أم يتخصص في مجال دقيق مثل القوانين التجارية أو الطب الوقائي؟ وما هو مستوى المعرفة التي لديه.
- تعليمات العمل: كيف ينجز المهمة المطلوبة منه بشكل صحيح؟ كيف يتعامل مع المعلومات غير الكاملة؟ ماذا يفعل إذا لم يجد الإجابة؟ كيف سيحافظ على الخصوصية والسرية والأمان؟ وما هي الصلاحيات التي يملكها.
- مراحل العمل: ما هي المراحل التي يمر بها الوكيل الذكي عادة لتحقيق غايته؟ هل هناك استثناءات معروفة؟ هل يحتاج لمساعدة من وكلاء آخرين أو من بشر
مثال عملي (وكيل سفر):
- الدور: مساعد سياحي رقمي.
- النبرة: ودية ومشجعة، بلغة سهلة.
- الخبرة: معرفة بأسعار الرحلات، الفنادق، المعالم السياحية.
- تعليمات: إذا لم يجد رحلة مباشرة، يقترح رحلات بديلة مع توقف واحد.
- مراحل العمل الأساسية: البحث، الحجز، التأكيد.
الخطوة الثالثة: تحديد الأدوات والقدرات اللازمة
بعد تحديد الهدف وبناء الشخصية، يجب تحديد القدرات والأدوات التي سيحتاجها الوكيل لتأدية عمله. بهذا الشكل يصبح الوكيل ليس مجرد “مولد نصوص”، بل نظاماً قادراً على التفكير والعمل عبر مجموعة أدوات متكاملة.
اختيار الأدوات المناسبة والكافية يحسم مدى قدرة الوكيل على النجاح في تنفيذ مهامه.
أمثلة للقدرات والأدوات:
- الوصول إلى قواعد البيانات: مثل أسعار الرحلات، أو بيانات مالية.
- استخدام واجهات برمجية (APIs): للاتصال بخدمات خارجية كـ Google Flights أو منصات الدفع او أنظمة الشركة.
- إجراء الحسابات المنطقية: إجراء عمليات حسابية وإحصائية.
- التفكير المتسلسل (Chain-of-Thought Reasoning): لحل المسائل المعقدة خطوة بخطوة.
- القدرة على البحث في مصادر معرفية داخلية أو خارجية.
- أدوات لإنشاء مخططات أو ملخصات او توليد فيديوهات.
- إمكانيات لتحليل النصوص أو معالجة الوسائط المتعددة.
مثال: وكيل مالي
- أدوات: قاعدة بيانات المحاسبة + واجهة API للبنك + مكتبة تحليل بيانات مثل Pandas.
- القدرات: حساب متوسط النفقات، توقع التدفقات النقدية، إنشاء مخططات بيانية.
الخطوة الرابعة: بناء الذاكرة قصيرة وطويلة الأمد.
من العناصر الأساسية التي تميز الوكلاء الأذكياء امتلاكهم ذاكرة قصيرة الأمد لتخزين تفاصيل المحادثة الجارية، وذاكرة طويلة الأمد لحفظ المعرفة التي تراكمت مع مرور الوقت.
الوكيل الذي لا يتذكر يصبح كآلة صماء، يكرر نفس الإجابات دون سياق. لذا، بناء ذاكرة متعددة المستويات أمر أساسي للحفاظ على السياق الذي،يعمل من خلاله الوكيل الذكي.
هنا عليك ان تحدد نوع الذاكرة وحجمها والتي سيحتاجها الوكيل الذكي لتأدية عمله.
1. الذاكرة قصيرة الأمد (Short-term Memory)
وهي الذاكرة التي تحفظ سياق المحادثة الحالية. كما انها يمكن ان تستخدم لحفظ المحتويات التي قد يحتاج المستخدم لتحميلها أثناء المحادثة.
هذه الذاكرة هي ما تتيح للوكيل الاستمرار في الحوار بسلاسة، والتجاوب مع المستخدم دون أن يفقد سياق الحديث.
مثال: إذا سألت الوكيل “احجز لي رحلة إلى إسطنبول”، ثم قلت لاحقاً “أضف فندقاً قريباً من المركز”، سيعرف أنك ما زلت تتحدث عن نفس الرحلة.
حجم هذه الذاكرة يعتمد اذا كنت فقط ستحفظ المحادثة ام ان هناك محتوى سيقوم المستخدم بتحميله وحجم ذلك المحتوى ونوعه.
2. الذاكرة طويلة الأمد (Long-term Memory)
وهي الذاكرة التي تمثل المعرفة والخبرة التي يملكها الوكيل الذكي. فبناءا على الخبرة التي يتوجب للوكيل الذكي أن يملكها ليقوم بعمله، يتم تحديد:
– ما هي المعلومات التي يحتاجها الوكيل الذكي اعتمادا على المعرفة أو الخبرة التي من المفترض أنه يملكها. هذه تشكل الوثائق والكتب والسياسات والإجراءات والحقائق المرتبطة بخبرة الوكيل الذكي والتي تتطلب جمع المعلومات وبناء مكتبة المحتوى التي سيستخدمها الوكيل الذكي.
– ما الذي يحتاجه الوكيل الذكي لنقله من الذاكرة القصيرة الى الذاكرة الطويلة، مثلا تفضيلات المستخدم والتغذية الراجعة واي معلومات جديدة مرتبطة بخبرة ومعرفة الوكيل الذكي.
مثال: يملك الوكيل الذكي الذي يقوم بإنشاء المقررات الدراسية للطلاب:
الذاكرة قصيرة الأمد (Session Context):
- الحالة الحالية: أي درس يقصده الطالب الآن، أسئلة مفتوحة، إجابات غير مكتملة.
- بيانات كل جلسة: الوقت المستغرق في الدرس، نقاط إنجاز مرحليّة.
الذاكرة طويلة الأمد (Learner Profile):
- مستوى الطالب الابتدائي، تفضيلات الوسائط (هل يفضل سماع؟ مشاهدة؟ قراءة؟).
- سجل الأداء (نتائج الاختبارات، الواجبات العملية، نقاط ضعف/قوة).
- ملاحظات مدرسية أو تعليمات خاصة (مثل حساسية للسرعة، حاجات وصول).
الخطوة الخامسة: صياغة الأمر System Prompt
قبل الانتقال إلى التصميم والتطوير التقني، تأتي خطوة بالغة الأهمية وهي صياغة قالب الأوامر System Prompt. هذه الخطوة تمثل حجر الأساس الذي يوجّه الوكيل الذكي أثناء عمله، فهي بمثابة “عقد العمل” الذي يحدد ما يجب على الوكيل فعله، وما هي حدوده، وكيف يتفاعل مع المستخدم والبيانات.
قالب الأوامر System Prompt يُكتب استناداً إلى المعلومات التي جُمعت في الخطوات السابقة، ويتضمن عادة:
- الهدف الأساسي الذي صُمّم الوكيل من أجله.
- شخصية الوكيل (نبرة الخطاب، الأسلوب، الدور).
- طريقة وتعليمات العمل.
- الأدوات والقدرات التي يمكنه استخدامها.
- آلية الاستفادة من الذاكرة.
- القيود والحدود التي تمنع الانحراف عن المسار المطلوب.
- آلية تصحيح الأخطاء.
مثال عملي على صياغة قالب أوامر لوكيل بناء مقرر دراسي:
أنت وكيل ذكي متخصص في تصميم المقررات الدراسية.
مهمتك إنشاء مقرر تعليمي آني للطالب بمجرد أن يحدد موضوع الدراسة.
يجب أن تلتزم بما يلي:
– الاعتماد على مصادر موثوقة فقط (كتب أكاديمية، أبحاث علمية، منصات تعليمية معتمدة).
– تقديم هذه المصادر للطالب للمراجعة والموافقة قبل استخدامها.
– إنشاء مخطط تفصيلي للمقرر (أهداف – وحدات – دروس – زمن تقديري – وسائط تعليمية مقترحة).
– عرض كل درس على حدة للطالب، مع تنويع الوسائط (نص، صوت، فيديو).
– قياس تقدم الطالب بعد كل درس عبر أنشطة قصيرة (Quiz، تمارين، أو أسئلة نقاشية).
– تخزين المعلومات حول تقدم الطالب وقراراته (ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد).
– الأسلوب تعليمي واضح، يوازن بين الرسمية والتشجيع.
-لا يجوز استخدام مصادر غير موثوقة أو تقديم محتوى عام غير مرتبط بالمصادر المعتمدة من الطالب.
الخطوة السادسة: التصميم التقني (النموذج، الأدوات، هيكلة المدخلات والمخرجات)
الآن ننتقل إلى الجانب التقني: كيف نبني الوكيل عملياً؟ هنا يتم تحديد النموذج اللغوي الأنسب (مثل GPT أو غيره)، واختيار أدوات التطوير، وهيكلة المدخلات والمخرجات. كما يتم تحديد البنية التحتية اللازمة لاستضافة الوكيل وتشغيله، سواء كان ذلك عبر منصات سحابية أو حلول محلية.
- اختيار النموذج المناسب الذي سينم الاعتماد عليه في تشغيل الوكيل الذكي واضافة امكانية التفكير اليه والي يمثل عقل الوكيل الذكي الذي سيستخدم قالب الأوامر في ذلك مثل GPT-4، Claude، أو LLaMA .
- تحديد الأدوات التي سيتم ربطها بالنموذج مثل قواعد البيانات أو مستعرضات الإنترنت, أو نماذج رؤية مثل GPT-4 Vision أو CLIP للتعامل مع الصور.، أو نماذج تحويل الكلام مثل Whisper أو ElevenLabs للتفاعل الصوتي، وغيرها.
- هيكلة المدخلات والمخرجات نحتاج إلى تحديد كيف سيستلم الوكيل الذكي المدخلات وكيف سيخرج البيانات وذلك لضمان أن البيانات التي يدخلها المستخدم، والنتائج التي يولدها الوكيل، تكون منظمة وقابلة للتنبؤ. يتم ذلك من خلال
- استخدام مخططات البيانات (Schemas) للتحقق من صحة المدخلات.
- تحديد قوالب للإخراج بحيث تكون النتيجة متسقة دائماً (مثلاً: JSON منظم، جدول، تقرير).
- التفكير بعقلية API أولاً: أي أن تكون البيانات قابلة للقراءة آلياً قبل أن تكون نصوصاً حرة.
- المخرجات يجب أن تكون متوقعة: تقرير، جدول، ملف PDF، أو استجابة API.
- اختيار قواعد البيانات المعرفية التي سيتم استخدامها للذاكرة الوكيل الذكي: عادة ما يتم اختيار قواعد البيانات المصفوفية Vector Database مثل Pinecone أو ChromaDB. والتي يتم فيها تخزين مكتبة المحتوى التي يحتاجها الوكيل الذكي على هيئة رقمية بطريقة تمثل المحتوى بالمعنى وليس بالنص، مما يساعد على البحث فيها بشكل أسهل بالنسبة لنموذج الذكاء الاصطناعي.
مثال (وكيل تعليمي):
- المدخلات: سؤال الطالب + مستوى الصف.
- المخرجات: شرح مبسط مع أمثلة وتمارين.
- النموذج: GPT-4 مع قواعد لتبسيط الشرح.
- الأدوات: قاعدة بيانات للمناهج + أداة إنشاء رسومات توضيحية.
الخطوة السابعة: التنفيذ والنشر
بعد التخطيط والتصميم، تبدأ مرحلة التنفيذ العملي والتي قد تتضمن بناء الواجهة التفاعلية، ربط الوكيل بالأدوات والواجهات البرمجية، وتجهيزه للتفاعل مع المستخدمين.
بعد ذلك يتم اختباره بشكل متكرر للتأكد من أدائه واستجابته بشكل صحيح، قبل نشره بشكل رسمي.
وتعتمد هذه الخطوة في الأساس على أداة التطوير التي يمكن استخدامها لبناء الوكيل الذكي ونشره. وهنا لدينا مجموعة من الخيارات التي نختلف وفق حاجة الوكيل الذكي الذي سيتم بنائه.
أهم هذه الأدوات:
-استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ذاتها مثل Chatgpt أصبحت توفر نمط خاص بالوكيل الذكي يمكن استخدامه في حال توافقت منطلبات الوكيل الذكي مع القدرات التي توفرها الأداة.
-استخدام أنظمة بناء الوكلاء الأذكياء التي لا تحتاج إلى برمجة مثل n8n او AutoAgent.
-استخدام أطر العمل المتخصصة ببناء الوكلاء الأذكياء والتي تتطلب كتابة اكواد برمجية والتي يمكن التوجه لها في حال كانت منطلبات الوكيل الذكي عالية جدا ولا تحققها الأدوات الاخرى.
من المهم جدا هنا قبل نشر الوكيل الذكي التأكد من عمله من خلال اختباره وتقييمه وتجربته في بيئة تجريبية أولا. مع الاستمرار في جمع ملاحظات المستخدمين وتحسين الأداء أثناء التشغيل. وإضافة آليات للمراقبة والتحليل (Monitoring) لقياس الأداء والاستقرار.
افهم ما تحتاجه من الوكيل الذكي قبل أن تبدأ
بناء وكيل ذكي ليس مهمة تقنية فحسب، بل هو رحلة منهجية تمر بعدة مراحل أساسية قبل التفكير في التطوير والتنفيذ. يعتمد نجاح الوكيل على مدى ارتباطه باحتياجات حقيقية، ومدى وضوح تصميمه، ومرونته في التعلم والتطور. ومع الأدوات المتاحة اليوم، يمكن لأي مطور أو فريق بناء وكيل ذكي يحدث فرقاً ملموساً في مجال عمله. لمزيد من المعلومات يمكنك التواصل معنا, وإذا وجدت المحتوى قيما فيمكنك دعمنا لنستمر.
العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.