أتعلمون ان ما يميز شركة عن أخرى و شخصا عن آخر هو مقدار ما يمتلكه من معرفة، فالمعرفة هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن تقليده أو سرقته وبالتالي فهي أغلى كنز يجب الاهتمام به وإدارته بالطريقة التي تحقق الأهداف المرجوة بفعالية سواء للأفراد أو الشركات. فإدارة المعرفة أحد أهم أساسيات التحول الرقمي سواء في الأعمال أو التعليم أو التواصل وهي أساس عملية التعلم الحقيقي.
ما هي المعرفة؟
يخلط الكثيرون بين المعرفة والمعلومات لدرجة أن كلا المصطلحين يتم استخدامهما وكأن أحدهما مرادف للأخر، وهذا خطأ كبير جدا.
فالمعلومات هي تلك البيانات التي تم معالجتها وتصنيفها وتفسيرها لتحق هدفا معينا كالإجابة عن سؤال ما أو تفسير ظاهرة معينة أو نحو ذلك.
لكن استقبال كل واحد فينا للمعلومات والتعامل معها يختلف من شخص لأخر وفق المعرفة التي يملك، فلا يمكن أن تجد تطابقا في كيفية تعاملنا مع المعلومات بين شخصين لأن كل واحد يملك معرفة مختلفة.
أما المعرفة فهي كما عرفها Nonaka “الاعتقاد الشخصي المبرر لدى الفرد” والتي نتجت عن الفهم العميق المكتسب من خلال الخبرات المتراكمة عبر الزمن والتي نتجت بدورها عن المعلومات التي تم معالجتها والتي بدورها هي الأخرى نتجت عن البيانات التي تم تحليلها والتنقيب فيها.
المعرفة تمثل مجموع الخبرات والمهارات والقيم التي يحملها كل فرد منا فتصبح جزءا من شخصيته وتكوينه فتميزه عن الآخرين، والحصول على المعرفة ينبغي أن يؤدى إلى الحكمة وهي الاستخدام التلقائي للمعرفة في حل المشاكل ومواجهة المواقف المختلفة.
تتمثل المعرفة في مجموع القيم والمبادئ والخبرات والرؤى والثقافة والحدس والسلوك والتفكير والمهارات والأحاسيس التي يمتلكها كل فرد منا.
أنواع المعرفة
المعرفة نوعان فهي اما ضمنية تكمن في عقول الناس او صريحة واضحة بالكلمات والصور، وفي الأغلب فالمعرفة ضمنية تم تكوينها على مدى فترة زمنية طويلة وتتدرج من المعرفة من معرفة “ماذا” ثم “كيف” ثم “لماذا”.
وللوصول للخبرة الحقيقية فلابد أن تتحول المعرفة الظاهرة الصريحة لدى الفرد إلى معرفة ضمنية فتكون جزءا من شخصيته. وفي ذات الوقت وليكتسب الأخرون الخبرة فلابد أن يتم مشاركة المعرفة الضمنية للفرد (وليس معرفته الصريحة فقط) بتحويل معرفته الضمنية إلى صريحة.
والتعلم في حقيقته هو عملية البناء المستمر للمعرفة وليس مجرد اكتساب للمعلومات أو نقل لها. فكلما حصل الفرد فينا على معرفة عبر الفهم العميق لخبراته أو لخبرات الآخرين، ثم تم دمجها مع تلك المعرفة التي لديه مسبقا، نتجت عنها معرفة جديدة وهكذا…
ليس التعلم بالحصول على المعلومات وحفظها.
التعلم هو عملية بناء المعرفة.
والمعرفة هي الفهم المكتسب من خلال الخبرة.
فلا معرفة بدون خبرة.
ولا تعلم بدون معرفة.
المعرفة في المنشآت
المعرفة هي ما يميز منشأة عن الأخرى وهي أهم ما تملكه المنشآت من أصول في عصر العولمة الذي نعيش فيه, فهي العنصر الأساسي الذي يجعل المنشآت بجميع أنواعها تتعامل بشكل فعال مع متغيرات البيئة الداخلية والخارجية التي تؤثر فيها كالتغير في الأسواق أو التكنولوجيا أو القوانين فالمعرفة الدقيقة والحديثة تعمل وبشكل دائم على تطوير العمل وتحسين أداء المنشأة.
والمعرفة في أي منشأة هي مجموع معرفة الموظفين الحاليين والسابقين والتي تكونت عبر الزمن من خلال مشاركة المعرفة في اتجاهين:
- من العاملين للمنشأة بتحويل معرفتهم الضمنية الي معرفة صريحة فتتحول الى جزء من معرفة المنظمة ككل.
- من المنشأة للعاملين من خلال. تحويل المعرفة الصريحة للمنشأة لتصبح جزء من المعرفة الضمنية للشخص فتساعد على تطوير أعمالهم بشكل أفضل.
والمعرفة متضمنة في جميع مستويات المنشأة متمثلة بالإجراءات واللوائح والسياسات والهيكل التنظيمي بل والثقافة العامة التي تتصف بها المنشأة.
القرارات الصائبة تأتي من الخبرة
والخبرة تأتي من القرارات الخاطئة
ليست فقط القرارات الخاطئة التي قمت بها أنت..
بل تلك أيضا التي قام بها الآخرون.نحن لا نتعلم من تجاربنا فقط بل من تجارب الآخرين أيضا.
إدارة المعرفة
ولتحقيق الفائدة المرجوة فلابد للمعرفة من إدارة، فإدارة المعرفة تعنى بإيصال الفهم الذي تم من خلال الخبرات والممارسة والمعلومات المتراكمة حتى يتم استخدامها في تأدية الأعمال بفعالية،
المعرفة في أي منشأة هي العملية المستمرة التي يتم من خلالها تنظيم وتخطيط وتحفيز والسيطرة على العمليات المتعلقة بالحصول على المعرفة ونشرها ومشاركتها وتوزيعها داخل المنشأة متضمنة الأنظمة والأفراد بحيث تضمن هذه العملية التطوير المستمر للمعرفة وتوظيفها بالشكل المناسب الذي يدعم عملية اتخاذ القرار وحل المشاكل والتخطيط للمستقبل بما يتناسب مع أهداف المنشأة واستراتيجيتها.
وعند تفعيل إدارة المعرفة داخل المنشأة بالشكل المطلوب فإن ذلك سيؤثر إيجابيا على السلوك التنظيمي للمنشأة ويحولها إلى منظمة متعلمة قادرة على التعامل مع ديناميكية الأعمال التي نعيشها في أيامنا هذه.
إن أهم شيء في إدارة المعرفة لأي منشأة هي تحويل المعرفة الضمنية لدى العاملين الى معرفة صريحة يمكن الاستفادة منها وأهم شيء بالنسبة لأي فرد هو تحويل المعرفة الصريحة التي يحصل عليها من البيئة المحيطة به الى معرفة ضمنية فتصبح جزء من شخصيته.
وتمر إدارة المعرفة في المنظمات بدورة حياة تبدأ بالإنشاء Creation من داخل المنشأة أو الاستحواذ Acquisition من المصادر الخارجية للمنشأة كالعملاء والموردين والمنافسين ونحوهم، ثم التحسين Refinement عبر الفلترة والفهرسة والتفسير والتوضيح ثم يأتي دور التخزين عبر أنظمة وقواعد المعرفة، ثم النقل والتحويل Transfer الى العاملين في المنظمة ثم الاستخدام وإعادة الاستخدام الفعال لها في اتخاذ القرار وحل المشاكل.
ويتم الاحتفاظ بتلك المعرفة ضمن منظومة إدارة المعرفة في المنشأة والتي قد تتكون من أنظمة مولدة للمعرفة كنظم ذكاء الأعمال ونظم إدارة المحتوى أو أدوات التنقيب عبر الإنترنت حيث تعمل تلك المنظومة المتكاملة على تشارك المعلومات وتبادلها بين الأنظمة والأفراد والمجموعات وتوفر أدوات البحث والاسترجاع وتعمل في ذات الوقت على تغذية ذكاء الاعمال بالبيانات.
نموذج إدارة المعرفة
لا تضمن إدارة المعرفة أن يتم حدوث اكتساب للمعرفة ما لم يحدث ذلك التحول بين المعرفة الضمنية والمعرفة الظاهرة الفردية والجماعية للعاملين في المنشأة. هذا التحول عملية من الصعب إدارتها بشكل محكم وكل ما نملكه هو توفير الأدوات التي تساعد على حدوثها. تحدث عملية التحول تلك ضمن اربع مراحل متداخلة ذكرها Nonaka and Takeuchi عام 1995 ضمن نموذج إدارة المعرفة (SECI) Socialization Externalization Combination Internalization الذي أسس له والذي يؤمن من خلاله بأن بناء المعرفة يتم عبر أربعة مراحل:
- الاستيعاب Internalization وتعنى بالحصول على المعرفة الضمنية عبر المعرفة الصريحة من خلال تكوين المعرفة من الكتب أو التواصل مع المصادر الخارجية إضافة للخبرة الشخصية وترتبط عملية الاستيعاب بعمليتي توزيع المعرفة ونشرها والوصول لها عبر البحث والاستعراض وتنقيب البيانات واستخدام البوابات الإلكترونية والنظم الخبيرة. يدعم عملية الاستيعاب استخدام تقنيات ذكاء الأعمال Business Intelligence لاستنباط المعرفة من البيانات الضخمة المخزنة على مدى فترة زمينه طويلة سواء تلك المتعلقة بالماضي أو للتنبؤ بالمستقبل. كما يحتاج الاستيعاب أيضا إلى بيئة تدريبية مفتوحة تساعد على الممارسة والتعلم عبر العمل.
- التنشئة الاجتماعية Socialization وتعني بتبادل وتشارك المعرفة الضمنية مع الآخرين عبر الملاحظة والمحاكاة والتواصل والحوار وتتضمن تبادل الخبرات والأفكار والمهارات بين العاملين. ترتبط التنشئة الاجتماعية بعمليتي تقييم المعرفة والتغذية الراجعة التي يتم الحصول عليها من خلال ذلك التفاعل والتي تؤدي لبناء معرفة ضمنية جديدة. تحتاج التنشئة الاجتماعية إلى بيئة مبدعة تساعد على تبادل المعرفة الضمنية بحيث توحي تلك البيئة بالثقة والالتزام. يمكن أن يتم ذلك عبر وسائل التواصل والتشارك المتزامن وغير المتزامن كورشات العمل وجلسات العصف الذهني ومؤتمرات الفيديو Videoconferencing وأدوات الدردشة ومنتديات النقاش والمدونات والنشرات الإلكترونية Electronic Bulletin Board ومواقع الإنترنت وأدوات العمل الجماعي والبوابات الإلكترونية وغيرها.
- الاستنباط Externalization وتعني بتحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة صريحة فتتكون المعرفة الجماعية. ويتم ذلك عبر توثيق المعرفة الضمنية باستخدام المفاهيم والنماذج والفرضيات والنظريات وأوراق العمل، حيث يتم تجميع المعرفة الشخصية وتصنيفها وخزنها وجعلها متوفرة للآخرين. ويتم ذلك عبر أدوات العمل الجماعي كالبوابات الإلكترونية أو العمل الفردي كالمدونات أو أدوات خزن المعرفة التي تساعد على الوصول للمعرفة ومشاركتها بسهولة. وترتبط عملية الاستنباط بعمليتي إنشاء المعرفة الجديدة من معارف وخبرات سابقة وامتلاكها لتصبح معرفة صريحة ومتاحة. وتحتاج لبيئة حوار مناسبة تساعد على مشاركة الأفراد لخبراتهم وتجاربهم وأفكارهم وتحويلها لمعرفة صريحة.
- التركيب والدمج Combination وتعني بتجميع المعرفة الصريحة من مصادر مختلفة وخلطها لتكوين معرفة صريحة جديدة والتي تؤدي عادة لابتكارات جديدة. وترتبط عملية الدمج بعمليتي تنظيم المعرفة وخزنها في مستودع رئيسي للمعرفة وفهرستها وتصنيفها وتنظيمها بشكل يسهل البحث عنها والتنقيب فيها وعرضها. ويحتاج الدمج لبيئة منظمة تستخدم التقنيات المناسبة لخزن وإدارة المعرفة الصريحة كقواعد البيانات وإدارة المحتوى Content management. وتتنوع المعرفة المخزنة ما بين الوثائق والمستندات الإلكترونية وملفات الوسائط المتعددة والنقاشات والدردشة والبيانات الواردة من الأنظمة العاملة في المنشأة.
ختاما…..إدارة المعرفة هي ثقافة منشأة
لكي تنجح إدارة المعرفة فلابد أن تدعم ثقافة المنظمة تشارك ونقل المعرفة وذلك عبر استراتيجية المنشأة وثقافتها، وأيضا عبر توافر الأنظمة التقنية التي تدعم التشارك والبحث والتنقيب ووجود قنوات حرة لتنقل المعلومات والمعرفة بين العاملين. فهذا سيعود بالفائدة على أداء المنظمة وأداء الأفراد فيها وبالتالي على الخدمة أو المنتج في النهاية. في حال لديك معلومات يمكنك أن تشاركنا بها أو أي سؤال تود طرحه عن إدارة المعرفة فيمكنك التعليق أو التواصل معنا.
العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.