أعمالتَعلُمتعلم

ما تحتاج أن تعرفه عن إنترنت الأشياء

بعد أن نجحت شبكة الانترنت في ربط البشر حول العالم جاء الدور الأن على الأشياء من حولنا لتصبح جزءا من الشبكة العالمية. انترنت الأشياء هو الجيل الجديد من شبكة الانترنت والذي أصبح يطل علينا من كل مكان وبدأ يفرض واقعا جديدا علينا أن تتعايش معه شئنا ذلك أم لا.

ما هي انترنت الأشياء؟

يعبر مفهوم انترنت الأشياء ببساطة عن قدرة الأجهزة المختلفة من حولنا على التواصل مع شبكة الإنترنت تماما كالبشر فيمكن لتلك للأجهزة أن ترسل وتستقبل وتعالج المعلومات وتتصرف وفقا للمؤثرات من حولها.
هذا ليس خيالا أو جزءا من فيلم سينمائي إنما هي حقيقة أصبحت واقعا قائما بالفعل ولا تحتاج إلا إلى بعض الوقت لتصبح منتشرة تماما كما انتشرت الانترنت بين البشر خلال أعوام قليلة، حيث يقدر العلماء بأن الأجهزة المتصلة بالإنترنت ستصل إلى حوالي 166 مليون جهاز عام 2023.
تخيل أن كل شيء سيصبح متصلا مع بعضه البعض عبر شبكة الإنترنت. البشر والأجهزة والمعدات والمنازل والشوارع والبيوت وحتى النباتات والأشجار، كلها ستصبح جزءا من شبكة واحدة يتفاعل فيها الجميع ويتبادلون المعلومات فيما بينهم. ترى كيف ستكون مجريات حياتنا حينئذ؟

بالتأكيد ستكون الحياة والاعمال أكثر جودة وذكاءً وامانا. سيعمل وجود انترنت الاشياء على تقليل الأخطاء وزيادة جودة العمل وتخفيض المخاطر وتقليل التلوث وتحسين مستوى المعيشة للبشر وتقليل تكاليف الصيانة والتشغيل والمراقبة وتقليل الفاقد في الأموال والوقت والمجهود.

ماذا سنستفيد من انترنت الأشياء؟

الكثير من المنافع التي ستحققها انترنت الاشياء سواء على مستوى الأفراد أو الأعمال والتي سيكون لها تأثير كبير على حياتنا الخاصة وعلى أعمالنا على حد سواء. هذه بعض الأمثلة على ما يمكن أن تؤثر به إنترنت الاشياء:

  • متابعة الأصول أيا كان نوعها سواء مركبات أو بضائع أو نحوه ومراقبة أي تغير يحصل عليها والتنبؤ بالمشاكل التي يمكن أن تحدث لها أو للبيئة المحيطة بها.
  • أتمتة المنازل وجعلها أكثر ملائمة للحياة بالنسبة لساكنيها وذلك عبر حمايتها وتخفيض تكاليف الحياة فيها وتحسين المعيشة من خلال السيطرة بشكل تلقائي على نسب الإضاءة والحرارة والرطوبة داخل المنزل والمساعدة بالتحكم عن بعد بالأجهزة المختلفة فيه.
  • مراقبة لأجهزة والمعدات في المصانع والتنبؤ بالأعطال التي يمكن أن تحدث وتقليل الفاقد والمساعدة في توفير قطع الغيار في الوقت المناسب.
  • متابعة الحالة الصحية للبشر من خلال مراقبة العوارض الصحية التي قد تطرأ والتنبؤ بالأمراض التي يمكنها أن تحدث خصوصا تلك الأمراض التي قد تؤدي الى الوفاة المفاجئة كالسكتة القلبية أو الجلطة أو الموت المبكر للأطفال.
  • تحسين حالة الطرق والتقليل من الاختناقات المرورية والحوادث من خلال تتبع سير المركبات على الطرق ومراقبة تدفقها والتحكم بالإشارات الضوئية وفقا لكثافة السير وحالة الطقس ونحوه من المتغيرات.
  • متابعة النباتات ونموها والأمراض التي يمكن أن تتعرض لها وفقا للحالة الجوية أو التغيرات التي قد تحدث في البيئة المحيطة بها.

الأفكار التي لها علاقة بإنترنت الأشياء غير محدودة ولا يمكن حصرها. هل لديك فكرة يمكن أن تحسن من حياة الناس ولها علاقة بإنترنت الأشياء.

كيف تعمل انترنت الاشياء؟

لكي تتمكن الأشياء من الاتصال بشبكة الإنترنت وإرسال واستقبال البيانات فهي بحاجة لأن تكون شبيهة بالبشر إلى حد كبير فتملك حواسا وقدرة على التواصل وعلى معالجة الأمور وفهمها والتصرف وفقا لها.

ولكي يحدث ذلك فإنه لابد من توفر تلك الأجهزة التي تعمل على استقبال البيانات من خلال أجهزة الاستشعار sensors أو الحساسات التي تقيس عوامل مختلفة من البيئة المحيطة بها حسب الحاجة كالحرارة والرطوبة ونسبة التلوث والإضاءة وحركة الأشخاص و الأصوات وانبعاث الغازات وغيرها الكثير ثم تقوم بعد ذلك بإرسال تلك البيانات إلى السحابة الإلكترونية والتي بدورها تعمل على تحليليها ودراستها من خلال برمجيات تحليل البيانات وعبر استخدام خوارزميات ومعادلات مختلفة مما يؤدي إلى توفير تقارير ورسوم ببيانية تمكننا من فهم مجريات الأمور والتنبؤ بالمستقبل.
ليس هذا فحسب بل ان السحابة الإلكترونية ستمكننا ايضا من التحكم بتلك الأجهزة عن بعد وذلك عبر إرسالها لرسائل تحوى أوامر تمكن من السيطرة عليها وتطويعها وفق حاجتنا.

البيانات وانترنت الأشياء

تعتبر البيانات سمة أساسية من سمات انترنت الأشياء فالأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت ترسل سيلا هائلا من البيانات الى السحابة الإلكترونية مما يجعل انترنت الأشياء أحد اهم أسباب انتشار البيانات الضخمة على شبكة الإنترنت فنحن نتحدث هنا عن بيانات يتم إرسالها كل ثانية أو ربما كل جزء من الثانية حسب طبيعة العمل الذي تقوم به تلك الأجهزة.

تعتبر البيانات التي يتم ارسالها منجما ضخما يمكن التنقيب فيه فهي الأساس الذي سيساعدنا على اكتشاف الكثير من الأسرار التي سيكون لها قيمة كبيرة عند تحليلها والاستفادة منها.
وعندما نتحدث عن تحليل البيانات في انترنت الأشياء فنحن نتحدث هنا عن نوعين من التحليل أحدهما تحليل اَني مباشر لتقديم معلومة فورية وإصدار التنبيهات التي يحتاج لها متخذ القرار أو المستفيد وتحليل آخر تاريخي لدراسة التوجهات والتنبؤ بالمستقبل.

يعتبر التحليل الآني لسيل البيانات القادم Stream Analysis أصعب كثيرا من التحليل لمستودع البيانات data warehousing نظرا لأنه يتم في الوقت الحقيقي وقبل أن تتكون البيانات بشكلها النهائي وذلك أثناء وصولها السحابة الإلكترونية. يعتبر هذا التحليل أهم عنصر من عناصر إنترنت الأشياء فمعالجة هذه البيانات مباشرة له أهمية كبيرة في التنبيه عن للمشاكل التي يمكن أن تحدث قبل ان تحدث فمثلا يمكن ارسال تنبيهات عند وصول درجة الحرارة لمستوى معين أو تجاوز نسبة الغاز لحد معين أو ما شابه ذلك.

أما التحليل الذي يتم على مستودع البيانات الذي تكون على مر الأيام فهو ذا قيمة كبيرة في التحليل المتعمق للبيانات حيث يمكننا من دراسة تاريخ تلك البيانات وبالتالي التنبؤ بالمستقبل مما يساعد على معرفة مواطن الخلل والوقوف على ما يمكن فعله للتحسين والتطوير.

كيف يمكننا دخول عالم انترنت الأشياء

للأسف تعاني الدول العربية من مشكلة كبيرة في عدم توافر المتخصصين والمبرمجين في المجالات المتعلقة بالبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء. نحن بحاجة ماسة للمتخصصين في تقنيات Hadoop و Spark و No-Sql database و serverless concept و لغات البرمجة كـ R و D3.js و بايثون وخوارزميات التعليم العميق وتعلم الألة Machine Learning وكل ما يتعلق بتصميم وهندسة أجهزة الإستشعار ولوحات التحكم.

والوصول لذلك لم يعد بالأمر الصعب أمام الشباب العرب مع توافر الأدوات المتاحة للجميع وبتكاليف معقولة وكل ما تحتاجه هو فكرة يحتاج لها الناس وشغف لتقديم شيء جديد.
لبناء منظومة متكاملة لإنترنت الأشياء فأنت بحاجة إلى ثلاثة عناصر أساسية على الأقل:

أولا: الجهاز الذي سيتصل بالإنترنت

يمكن لأي جهاز يملك أجهزة إستشعار وأدوات تحكم وذاكرة أن يكون جزءا من انترنت الأشياء وهذا متوفر فعلا في أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المتنقلة التي بين أيدينا اليوم والتي يمكن الاستفادة منها هنا، لكن إنترنت الأشياء بحاجة الى أجهزة قليلة التكلفة ولا تستهلك الكثير من الكهرباء ولا تحتاج إلى سرعة عالية في اتصالها بالإنترنت. وهذا يمكن تحقيقه من خلال تصنيع أجهزة متخصصة لخدمة أغراض محددة.

ولبناء هكذا جهاز فلابد في البداية من تطوير نموذج مصغر منه بحيث يمكن تحويله بعد ذلك إلى منتج حقيقي وتجاري يمكن تداوله. وتعتبر لوحات التحكم الإلكترونية التي تنتجها arduino أكثر المعدات المستخدمة في بناء نماذج مصغرة للأجهزة القابلة لأن تكون جزءا من انترنت الأشياء نظرا لقلة تكلفتها من جهة وسهولة بناء الأجهزة من خلالها من جهة اخرى باعتبارها معدات مفتوحة المصدر ومتاحة للجميع.
فما عليك لتطبيق فكرة ما لها علاقة بإنترنت الاشياء الا ان تقوم بالبحث عن اللوحة الإلكترونية وأجهزة الإستشعار المناسبة لتطبيق فكرتك وستجد الكثير من الدورات والمقالات بل والمشاريع التي يمكنك أن تتعلم من خلالها.

ثانيا: السحابة الإلكترونية التي سيتصل بها الجهاز

تتواصل الأجهزة بالإنترنت عبر السحابة الإلكترونية، فضخامة البيانات تتطلب موارد لا يمكن تحقيقها بالأساليب التقليدية لتقنية المعلومات. والخبر الجيد هنا أن هذه السحابة الإلكترونية متوفرة اليوم للجميع بتكلفة معقولة دون الحاجة لبناء بنية تحتية قوية.

فلقد وفرت الخدمات السحابية التي تقدمها امازون ومايكروسوفت وجوجل فرصة كبيرة لبناء سحابة الكترونية قادرة على استقبال البيانات التي ترد من أجهزة انترنت الأشياء مهما كان حجم تلك البيانات وعدد تلك الأجهزة وكل ذلك بتكلفة معقولة وبسرعة عالية وبشكل أمن.
كل ما تحتاجه هو برمجة تلك الأجهزة لكي ترسل رسائل بالبيانات التي تقرأها عبر أجهزة الإستشعار المتصلة بها إلى تلك السحابة الإلكترونية عبر بروتوكولات MQTT وهي البروتوكولات الاكثر شهرة والانسب في أحداث عملية تواصل آمن وسريع باعتبار أن تلك الأجهزة لا تملك اتصالا قويا بشبكة الإنترنت.
وعندما نتحدث عن برمجة فنحن لا نتحدث هنا عن أمر معقد فأجهزة arduino مثلا تملك لغة برمجة سهلة تمكنك من كتابة برامج بسيطة لوحدات التحكم لتقرأ تلك البيانات من أجهزة الاستشعار وترسلها إلى العنوان الخاص بالسحابة الإلكترونية التي بدورها تستقبل تلك البيانات وترسلها للمعالجة وفقا للقوانين والقواعد التي يتم تعريفها من قبلك.
ويمكن ايضا عبر السحابة الإلكترونية أن يتم إرسال رسائل إلى الأجهزة المتصلة بها بغرض التحكم فيها أو تغير بعض خصائصها حسب الحاجة مما يعني أن عملية التواصل بين السحابة الإلكترونية وتلك الاجهزة تتم في اتجاهين. وليس في اتجاه واحد.

من المهم الانتباه هنا أن السرية والأمان لهما أهمية كبيرة في عملية التواصل بين السحابة الإلكترونية والأجهزة المرتبطة بها وذلك حتى لا يتم اختراق تلك الأجهزة والاستفادة منها لتحقيق أغراض غير مشروعة. لذلك فإن الخدمات السحابية تفرض أن يتم التواصل بشكل آمن بين السحابة الإلكترونية والأجهزة عبر بروتوكولات الأمان وأن يكون لكل جهاز عنوان فريد خاص به مما يضمن حماية قوية.

ثالثا تحليل البيانات ومعالجتها

بعد أن تكون البيانات متوفرة في السحابة فإنها بحاجة إلى الاستفادة منها للتحليل والمعالجة والتنبؤ فهو أحد أهم الفوائد التي ستعود علينا من انترنت الأشياء والبيانات الضخمة الناتجة عنها.
عادة ما يتم استخدام تقنيات وبرمجيات hadoop والتي توفرها أغلب المنصات والخدمات السحابية للقيام بكل المهام المتعلقة بمعالجة وتحليل البيانات والتنبؤ بالمستقبل من خلالها حيث تتوفر الكثير من التطبيقات والتي تساعد على التعامل مع حجم كبير من البيانات وعبر استخدام خوارزميات معقدة للتحليل والتنبؤ.
كما يمكن أيضا استخدام لغة R للتحليل والمعالجة حيث توفر هذه اللغة كل ما يمكن أن تحتاجه لدراسة وتحليل وعرض البيانات.
إضافة إلى ذلك فإن خوارزميات تعلم الآلة لها دور كبير هنا في دراسة البيانات التاريخية المتراكمة التي ترد من تلك الأجهزة ثم التنبؤ بما يحدث مستقبلا فمثلا يمكن اكتشاف الأخطاء أو المشاكل او الحوادث قبل حدوثها او تخمين متغيرات مجهولة لا تتوافر أي معلومات حولها الان.
في النهاية فان تلك المعلومات ستتوفر لصاحب القرار أو المستفيد عبر تطبيقات الويب أو الأجهزة المتنقلة من خلال رسوم بيانية سهلة القراءة والفهم بل وستمكنه ايضا من التحكم بتلك الأجهزة بشكل مباشر في أي وقت ومن أي مكان.

وهنا لابد من الإشارة الى الخصوصية التي لا شك في أنها في موضع خطر هنا فيما لو تم استغلال تلك البيانات لأغراض غير التي وجدت من أجلها رغم أن الحصول على معلومات خاصة أو تفصيلية بشخص أو حالة معينة أمر ليس بالسهل نظرا لصعوبة تخزين تلك البيانات بشكل يمكن البحث فيه كأي قاعدة بيانات أخرى فهذا أمر مكلف ماليا وإداريا. عادة يتم التعامل مع تلك البيانات التي ترد من الأجهزة المتصلة بالإنترنت بشكل مجمع إحصائي وليس فردي وهذا ما تم تصميم تطبيقات تحليل ومعالجة وعرض البيانات عليه.

وبالتالي فإن التخوف من فقدان الخصوصية بسبب إنترنت الأشياء ليس في محله لكن في ذات الوقت فإن حدود الخصوصية قد اختلف اليوم عما كان عليه الحال سابقا. فمعرفة أين أنت الأن أو ماذا أكلت في وجبة العشاء بالأمس قد لا يكون جزءا من خصوصيتك اليوم بل وقد يكون له قيمة كبيرة تساعد في حصولك على خدمات أفضل. لاحظ أن معرفة العوارض الصحية التي قد تمر بها سيحسن من معيشتك ويجنبك المخاطر رغم أن قد يكون جزء من خصوصيتك.

انترنت الاشياء …..إنه المستقبل

دعوة لكافة المهندسين والمبرمجين في العالم العربي لدخول هذا العالم الذي يحمل آفاقا واسعة لا نهاية لها سواء على صعيد بناء الأجهزة أو تطوير التطبيقات. كل ما تحتاجه هو تطوير فكرة مبدعة وبناء شغف مستمر وستجد أن الأبواب ستفتح أمامك. إنترنت الأشياء ستكون المستقبل الذي سيوفر للبشرية أسلوب حياة مختلف أكثر أمانا ومتعة واستقرارا رغم كل المحاذير التي تصاحبها والتي ستكون أقل من الفوائد التي سنحصل عليها. إذا كان لديك أي فكرة لها قيمة للناس ومتربطة بإنترنت الأشياء فيمكنك أن تشاركها معنا عبر التعليق أو التواصل معنا كما يمكنك طرح أي سؤال له علاقة بتقنيات ومستقبل إنترنت الأشياء.

اشترك في نشرة تَعلُم الرقمية

العالم الرقمي يتغير باستمرار ونحن بحاجة لأن نكون على اطلاع دائم فاشترك معنا ليصلك كل ما يمكن أن يساعدك في رحلتك نحو التحول الرقمي سواء في العمل أو التعليم أو التواصل.

د/عماد سرحان

إستشاري ومتخصص في المعلوماتية وإدارة المعرفة وتطوير المحتوى بخبرة تزيد عن 24 عاما. حاصل على درجة الدكتوراه والماجستير في نظم المعلومات ووهو مدير مشاريع معتمد من معهد إدارة المشاريع PMP وممارس معتمدا لأتمتة الأعمال ومحترف معتمد في إدارة المعلومات CIP من هيئة إدارة المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية AIIM ومؤلف كتاب “سر النجاح في بناء وتأسيس المواقع الإلكترونية” الصادر عام 2012 عن دار العبيكان للنشر في المملكة العربية السعودية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *